في أمسية جمعت بين عمق الرواية وكثافة القصة القصيرة، شهدت العاصمة المصرية القاهرة، مساء الخميس 19 يونيو، حدثاً ثقافياً لافتاً احتضنه مقر دار "عناوين بوكس"، حيث احتفى الكاتب والروائي اليمني حسين السقاف بصدور عملين جديدين له: رواية "الرجل الحوت" ومجموعته القصصية "من أول رائحة".
وسط حضور مميز من المثقفين والكتاب والنقاد والمهتمين بالشأن الأدبي، تحولت الأمسية إلى منتدى فكري مفتوح، استُهِلّ بكلمة ترحيبية من الأستاذ أحمد عباس، مدير العلاقات والنشر بالدار، الذي أكد على أهمية هذه اللقاءات في إثراء المشهد الثقافي العربي.
وقد سلطت القراءات النقدية المصاحبة الضوء على الأبعاد الفكرية والجمالية للعملين. فقد أبحر الناقد منير طلال في عالم رواية "الرجل الحوت"، كاشفاً عن طبقاتها السردية العميقة التي تتخذ من البحر فضاءً رمزياً ومن جرح البطل "هاني باعلي" بوصلة فلسفية للوجود. وأشار إلى أن الرواية لا تقدم حكاية اغتراب تقليدية، بل هي ملحمة إنسانية حول إعادة تشكيل الذات في مواجهة العالم، وتطرح بجرأة فنية "حوار الحضارات" عبر شخصياتها المتعددة، خاصة الصداقة التي تجمع البطل بالشخصية اليمنية اليهودية، مما يمثل استعادة للتاريخ التعددي المنسي ونقداً للإيديولوجيات الطارئة.
من جانبه، تناول الناقد محمد عبده الشجاع المجموعة القصصية "من أول رائحة"، معتبراً إياها دليلاً على قدرة السقاف على سبر أغوار النفس الإنسانية في القالب المكثف للقصة القصيرة. وأوضح كيف أن عنوان المجموعة يمثل مفتاحاً لفهم عالمها السردي، حيث "الرائحة" ليست مجرد إحساس، بل رمز للحدس والبصيرة الأولى. وتوقف عند قصص لافتة مثل "شيخ المدونين" و"ثلاثية البقر"، التي تكشف هواجس الكاتب بتقاطعات الهوية بين التقليدي والحديث، وقدرته على تحويل المألوف إلى حامل لدلالات فلسفية عميقة بلغة اقتصادية ودقيقة.
لم تكن الأمسية مجرد حفل توقيع، بل تأكيداً على حيوية المشهد الثقافي اليمني في الخارج، حيث شهدت تفاعلاً لافتاً من الحضور الذين أثروا النقاش بأسئلتهم ومداخلاتهم.
وفي ختامها، شكلت الفعالية جسراً حقيقياً للتواصل بين الكاتب وجمهوره، ومناسبة للاحتفاء بالأدب الجاد الذي يطرح أسئلة الإنسان المعاصر في قالب فني رفيع، وسط أجواء اتسمت بالحفاوة والاهتمام .