آخر تحديث :الثلاثاء-08 يوليو 2025-06:10م
أخبار وتقارير

"ديّة" المرأة تعمّق التمييز الصارخ في القوانين اليمنية

الثلاثاء - 08 يوليو 2025 - 10:57 ص بتوقيت عدن
"ديّة" المرأة تعمّق التمييز الصارخ في القوانين اليمنية
(عدن الغد)متابعات:

أعادت قضية وفاة صفية عبدالسلام (اسم مستعار) التي صادف مرورها أمام منزل علي نعمان (اسم مستعار) في محافظة لحج جنوبي اليمن، إثارة حالة من الجدل في أوساط الحقوقيّين اليمنيّين، بعد صدور حكم القاضي بتسليم عائلة المجني عليها نصف دية (المال المفروض على الجاني)، وذلك استناداً إلى قانون الجرائم والعقوبات اليمني الذي ينصّ في إحدى مواده على أن "دية المرأة نصف دية الرجل".

كانت صفية تمرّ أمام منزل علي عندما كان يقوم بتنظيف سلاحه الخاص "كلاشنكوف"، قبل أن تخرج طلقة نارية وتستقر في رأسها، ما أدّى إلى وفاتها على الفور. وبعد عدد من الجلسات القضائية صدر الحكم المستند إلى المادة (42) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، والتي تنصّ على أن "دية المرأة نصف دية الرجل، وأرشها (الضرر الواقع على ما دون النفس) مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل، وينصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقريرٍ مِن طبيبٍ مختص أو أهل الخبرة، وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى ما لم يقدر أرشه، فيلزم حكمه بما تراه وتقدّره المحكمة".

وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على صدور القانون المذكور، إلا أن الحقوقيّين اليمنيّين يرونه قانوناً تمييزيّاً ضد المرأة، يساهم في انتهاك حقوقها وانتقاصها، يتعارض مع الدستور اليمني ومع مبدأ المساواة أمام القانون ومع تكريم رب العالمين لبني آدم بغض النظر عن جنسهم.

ولا تزال المنظومة القانونية في اليمن تتضمن العديد من القوانين التي توصف بأنها تمييزية ضد المرأة، وفي مقدمتها قانون الجرائم والعقوبات وقانون الأحوال الشخصية، والتي تتناقض مع الدستور اليمني الذي أكد مبدأ المساواة بين الجنسين، حيث ينصّ الدستور في المادة (41) منه على المساواة بين جميع المواطنين، رجالًا ونساء، في الحقوق والواجبات العامة. كما تنصّ المادة (31) على أن "النساء شقائق الرجال ولهنّ من الحقوق وعليهنّ من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينصّ عليه القانون".

هذا الأمر عمَّق من الفجوة القائمة بين الدستور اليمني والقوانين اليمنية، وهو ما تستنكره العديد من المنظمات الدولية في تقاريرها، كما هي الحال مع منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي قالت في تقريرها عام 2021 إن اليمن يستمر في تعريض النساء لـ"تمييز شديد في القانون والممارسة".

وعلى الرغم من الحراك الحقوقي الذي يطالب بتعديل هذه القوانين إلا أن هذه المطالب تنصدم بعراقيل تحول دون تحقيقها، لا سيّما أن المواد التمييزية ضد المرأة في بعض القوانين اليمنية تأتي انسجاماً مع عادات وتقاليد مجتمعية، أضف لذلك صعوبة الإجراءات الفنية لتعديل هذه القوانين، خصوصاً مع تعطيل انعقاد البرلمان اليمني نتيجة الأوضاع التي أنتجتها الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.

الناشطة الحقوقية المحامية أمل الصبري، تقول لـ"العربي الجديد" إن القانون اليمني في موضوع تحديد دية المرأة، استند إلى الشريعة الإسلامية بحسب قاعدة فقهية شائعة معمول به في كثير من الدول العربية، تفيد بأن دية المرأة نصف دية الرجل، كما في الإرث والشهادة. وتتابع: "هذا القانون ما زال قائماً، يُعمل به حتى اليوم، وهو يُعدّ تمييزاً ضد النساء، فالأصل في الدية هو إنزال العقوبة على الجاني، لأن القتل جريمة، والأصل هو العقاب والقصاص، وليس الدية، كما أن تخصيص نصف دية للمرأة مقارنة بالإرث والشهادة يُعدّ ظلماً للمرأة، لأن الإرث والشهادة أمر يختلف عن العقوبة".

وأشارت الصبري إلى أن موقف الجهات الداعمة لحقوق المرأة كمنظمات المجتمع المدني والناشطين والحقوقيين والحقوقيات واضح من هذا الأمر، ودائماً ما تتمّ المطالبة بتعديل هذا النص من باب المساواة والعدالة، بأن تكون دية المرأة نفس دية الرجل. وقبل الحرب في البلاد، كانت هذه القضية تحظى باهتمام كبير من قبل المنظمات الحقوقية والناشطين، لكن بعد الحرب تراجع الاهتمام كثيراً بمثل هذه القضايا كون الأولوية أمست لقضايا مجتمعية كالإغاثة الإنسانية وغيرها، وتراجعت الجهود المطالبة بتعديل القانون فيما يخص دية المرأة في ظل الانقسام الحاصل بالسلطة التشريعية نتيجة انقلاب الحوثيين والانشغال بالقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية.

صباح الشرعبي، رئيسة فرع اللجنة الوطنية للمرأة في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، تكشف لـ"العربي الجديد" أن التمييز الممارس بحق النساء اليمنيّات في موضوع "الديّات" يكمن بالتعامل بشكل رسمي وفق قاعدة "دية المرأة نصف دية الرجل"، وكأن الأمر خاضع للقيمة المالية في التعويض بحسب الجنس، حيث تُحسب دية المرأة بنصف دية الرجل، وقد استند المشرّع اليمني في إقرار ذلك إلى بعض الاجتهادات التقليدية الفقهية، وإلى بعض التفسيرات للشريعة الإسلامية وفق اجتهادات بعض الفقهاء وبتجاهل تام لتفسيرات الفقهاء الآخرين الذين أكدوا مساواة الدية للرجل والمرأة كإنسان".

وتضيف الشرعبي: "من الطبيعي أن تكون مواقف الجهات الداعمة للمرأة هي رفض التمييز القائم على النوع الاجتماعي، باعتبار أنه انتهاك لحقوق الإنسان عموماً ولحق المرأة على وجه الخصوص". وتتحدث عن الجهود المبذولة لإنصاف المرأة في هذا الجانب من خلال مطالبة الجهات التشريعية بتعديل القوانين التمييزية ضد المرأة، خصوصاً ما يتعلق بموضوع الدية، وتوعية النساء بشأن القوانين التى تضمن حقوقهنّ وتكفل عدم التمييز سواء في الدية أو العمل أو في الحياة عموماً، وبالتالي مناصرة قضايا المرأة ودعمها قانونيّاً، وطلب المساواة في الحقوق". وترى أن العراقيل التي تواجه هذه الجهود تتمثل في صعوبة التعديل السريع للمواد القانونية التمييزية ضد المرأة، حيث أنها تستند إلى التفسيرات الفقهية التقليدية، بالإضافة إلى النقص الشديد في الدعم المتعلق بالمشرّع، والتدخلات السياسية بحسب التوجهات الفكرية التى تعيق تعديل المواد التمييزية ضد المرأة، بالإضافة إلى الحرب التي تعيق انعقاد المجلس التشريعي المخوّل إصدار القوانين وتعديلها.