في الوقت الذي تعاني فيه محافظة عدن من انهيار شبه شامل في الخدمات الأساسية وتدهور البنية التحتية، تستمر ظاهرة تنفيذ مشاريع حكومية عبر "الأمر المباشر" دون مناقصات أو شفافية، في استنزاف ميزانية الدولة، وسط تساؤلات متزايدة من المواطنين والخبراء: إلى متى يستمر هذا العبث؟ ومن يوقف هذا النزيف المنظم؟
يؤكد مراقبون أن غالبية المشاريع التي تُنفذ في عدن خلال السنوات الأخيرة تتم بتكليف مباشر من قبل مسؤولين نافذين، دون المرور عبر القنوات الرسمية للمناقصات العامة، ما يفتح الباب واسعًا أمام الفساد وتضخيم التكاليف وتنفيذ مشاريع دون معايير فنية واضحة أو رقابة مالية.
ورغم تعدد الجهات الحكومية والرقابية، إلا أن المشاريع التي تُنفذ بالأمر المباشر تتزايد، وتشمل قطاعات حيوية مثل الطرق والمياه والكهرباء والتجهيزات الحكومية، وتُمنح في كثير من الأحيان لأشخاص أو شركات بعينها، بعضهم لا يمتلك أي خبرة حقيقية في المجال.
يقول موظف سابق في وزارة الأشغال العامة بعدن لـ"عدن الغد": "تم تنفيذ عدة مشاريع خلال السنوات الأخيرة، بعضها جرى بتكليف مباشر من مسؤولين في الحكومة المحلية أو الوزارات، دون إعلان مناقصات، وبعضها تم ترسيته على شركات مغمورة أو واجهات لمتنفذين".
ويضيف: "هذه المشاريع تكلف أضعاف قيمتها الحقيقية، وتُنفذ بجودة متدنية، ويتم استلامها دون فحص فني حقيقي. وبعد أشهر قليلة، تبدأ الأعطال والمشاكل، ويُعاد تكليف مقاول جديد لإصلاحها، وهكذا دوّامة فساد مستمرة".
ومن أخطر ما في هذه الظاهرة أنها تعمّقت حتى في المشاريع الممولة من الخارج أو من الإيرادات المحلية، ما أفقد عدن فرص الاستفادة من التمويل الدولي بشكل شفاف وعادل. وبحسب مصادر خاصة، فإن بعض الجهات المانحة بدأت تُبدي قلقها من غياب الشفافية في المشاريع المنفذة داخل عدن، ما قد يؤدي إلى تقليص الدعم مستقبلاً.
من جهته، يقول خبير اقتصادي لـ"عدن الغد": "الأمر المباشر قد يكون مقبولًا في حالات الطوارئ القصوى فقط، لكن تحوّله إلى نمط دائم في عدن هو كارثة اقتصادية وأخلاقية، لأنه يكرّس الفساد ويُهدر المال العام، ويحرم الشركات النزيهة من المنافسة".
المواطنون بدورهم بدأوا يُدركون خطورة ما يحدث. يقول أحد سكان مديرية المنصورة: "يعملون مشاريع ترقيع للطرق، وبعد أقل من شهرين ترجع الحُفر والتكسرات، طيب وين راحت الملايين؟!".
اللافت أن السلطات الرسمية نادرًا ما تُقدّم تقارير شفافة حول هذه المشاريع، كما لا توجد قوائم منشورة تُبيّن أسماء الشركات المنفذة أو تكاليف المشاريع أو مدد تنفيذها، وهو ما يزيد الشكوك ويعزز انعدام الثقة بين المواطن والحكومة.
وتبقى الأسئلة مطروحة بإلحاح: من يوقف نزيف المشاريع الوهمية والمبالغ فيها؟ أين دور الأجهزة الرقابية والنيابية؟ ولماذا تصمت الحكومة أمام ما يحدث؟ وهل أصبحت عدن ساحة مفتوحة للمقاولات بالأمر المباشر دون حسيب أو رقيب؟
في مدينة تنهار خدماتها يومًا بعد آخر، ويُحرم فيها المواطن من الكهرباء والمياه والطرقات الصالحة، يصبح أي عبث بالمال العام جريمة مضاعفة، يجب أن يُوقف فورًا. فهل من مجيب؟