طموحاتها لا تقف عند الإنجازات الفردية، تتطلع لنقل خبراتها للأجيال القادمة، ودعم المشاريع البحثية والابتكارات. إضافة إلى كونها تخطط لإنشاء مختبرات تعليمية وبحثية وتجارية، لتشجيع الابتكار وتمكين الشباب والنساء في اليمن، من تحويل الموارد المحلية إلى فرص عالميه.
النشأة
دينا سيف المشهري، جاءت من ريف تعز، منطقة الجبزية الواقعة في مديرية المعافر بحجرية تعز. كغيرها من فتيات الريف، تلقت جل تعليمها في مدارس قريتها المتواضعة.
لكنها قرب السنة الأخيرة من الثانوية تعرضت لإصابة في ساقها "كسر في الرجل"، أثناء قيامها بمهام يومي في الجبل المجار للقرية، مثلها مثل أبناء الريف ، مما أعاق حركتها ومنعها من السير إلى المدرسة التي تبعد عدة كيلومترات.
انتقلت على إثر ذلك إلى منزل والدها في مدينة تعز – منطقة صينه، حيث التحقت بمدرسة مجمع صينه للبنات كمستمعه، بينما ظل اسمها في سجلات المدرسة في الريف ، لتعود لأداء الامتحانات النهائية للشهادة الثانوية العامة.
بعد التعافي في العام التالي التحقت بجامعة تعز – كلية العلوم التطبيقية قسم الكيمياء عام 2007، لتبدأ مرحلة جديدة في التنقل بين الريف والحضر وفقًا للعطل الدراسية.
التحديات وكسر القيود الاجتماعية
لم يختلف حالها كثيرًا عن فتيات جيلها، إلا أنها قررت مغادرة القرية الريفية، بعزيمة وهمة تجاوزت العادات والتقاليد.
في تعز المدينة، "دينا" ستعيش مع زملائها الطلاب بعيدًا عن أسرتها الكبيرة، تواجه صعوبة التأقلم في حياة الحضر كونها من عشاق الريف، لكن التحديات لم تثنها عن هدفها في التعليم الجامعي.
أيام الجامعة والاجتهاد العلمي
هنا اعود بذاكرتي لتلك الأيام والسنوات اثناء الدراسة الجامعية، والتي كنت أحد زملائها في قسم الكيمياء، أجدها الشخصية النشطة على الدوام، تبدو لي لو انها مشغولة طيلة وقتها، أو أن ورائها كومة من الالتزامات، مهتمة جدا بحضور الدورس والمحاضرات النظرية الممله ..التي تصل بعض الاحايين إلى ثلاث ساعات للمحاضرة الواحده.
مشروع التخرج: فكرة رائدة رغم الصعوبات
مع اقتراب عامها الجامعي الأخير، أرادت المشهري أن يكون مشروع تخرجها مختلفًا، فاختارت العمل منفردة تحت إشراف البروفيسور عبدالله الشراعي، عميد كلية العلوم للبحث العلمي آنذاك، الذي أعطاها مساحة التفكير خارج المألوف لتتحمل كامل المسؤولية وتتمتع بحرية الفكر.
بدأت بفحص منتجات التجميل المتداولة في الأسواق عبر الكيمياء التحليلية، لتؤكد النتائج عن وجود مركبات سامة.
من هنا اتجهت دينا للبحث عن بدائل طبيعية، لتدخل عالم الكيمياء الحيوية و كيمياء المنتجات الطبيعية.
عملت على تحضير مستحضرات تجميل من شمع العسل وزهور النباتات العطرية، برغم اعتقاد كثير من الزملاء أن الفكرة مكلفة وصعبة وغير مناسبة لسوق فقير كاليمن، ومع ذلك أنجزت مشروعًا تطبيقيًا ناجحًا، وقدمت أول منتج تجميلي طبيعي من مكونات خالصة.
حيث كان مشروعها شرارة انطلاقتها في عالم الكيمياء والطبيعة، ليترك أثرًا لافتًا في جامعة تعز، ملهمًا الطلاب لاختيار مشاريع تطبيقية ابتكارية بدلًا من الاكتفاء بالأبحاث النظرية.
الظهور الإعلامي الأول
حظيت المشهري باهتمام بعض وسائل الإعلام، حيث استضافها برنامج "كنوز يمانية" على قناة السعيدية لتعرض من خلاله مشروعها، وكانت تلك أولى خطواتها نحو طريق طويل لم تكن تتوقع أن يأخذها بعيدًا عن مدينتها وبلدها.
الطريق إلى العالمية
واصلت دينا المشهري اجتهادها بعزم استثنائي، ساعية لمواصلة حلمها بدراسة الماجستير. لم تكن ضمن الثلاثة الأوائل من الدفعة، لكنها آمنت أن التفوق لا يُقاس بالأرقام فقط. تركيزها في سنواتها الأخيرة منحها تفوقًا عمليًا أوصلها إلى العالمية.
اليوم تحلّق في كوريا الجنوبية، تحصد الجوائز العلمية، تقدم الأبحاث، وتحاضر في منصة مركز كينتيكس الدولي للمؤتمرات والمعارض 2025. كما أطلقت مؤخرا علامتها التجارية Dindado International – ديندادو العالمية هناك في مجال التجميل الحيوي، والتي نالت في مايو الماضي تكريمًا ثلاثيًا عالميًا في العاصمة سيؤول ابرزها جائزة الاتحاد الدولي للمخترعين كأفضل مشروع اختراعي علمي شامل ذو منهجية متكاملة.
العودة إلى الوطن والتجربة السياسية
تقول "دينا" رغم أني كنت في قمة نجاحي العلمي والعملي خارج اليمن، إلا أن حبي للوطن وعدم وعيي بما يدار في المؤسسات الحكومية، دفعني بشغف للعودة للوطن، في العام 2017 لأكون حسب وعيي مساهمة في البناء .. ولمدة عامين فقط بخطة واضحة مكتوبة لسنتين عازمة على فعل شيء حقيقي، بقرار ثابت ونية جريئة لا مجرد حلم.
تضيف لل.... دخلت الوطن في منصب رفيع الشكل والقرار كمدير عام في إحدى الوزارات اليمنية، وظننت أن المنصب سيمنحني القدرة على احداث شيء فعلي. لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، وكأنه مسرحية لا نهاية لها.
صمدت فوق استطاعتي، لكن بعد أشهر شعرت أن روحي تتلاشى، وأن كل شيء أنجزه بشق الأنفس يُرمى في الإدراج والتمويلات تختفي.
غادرت قبل انتهاء المدة التي خططت لها، لأخوض صراعًا نفسيًا طويلًا منذ 2019، حتى استعدت توازني في 2022 بعد إنهاء رواية وثقت فيها تلك المرحلة تحت عنوان (مناديل الحكومة).
صراع داخلي وقرار المغادرة
لم تغادر دينا مباشرة بدافع المسؤولية تجاه الإدارات التابعة لها في المحافظات، لكنها شعرت لاحقًا أنها (ميتة في جسد متحرك). فقررت المغادرة لإستعادة ذاتها ومسارها الخاص.
الرؤية الحالية لليمن
ترى المشهري أن اليمن سيبقى قِبلة حياتها ومصدر إلهامها، وتتمنى المساهمة في إحياء طاقاته من بعيد، لكنها لا ترغب بالعودة إليه مجددًا.
الجمع بين الطموح العلمي وخدمة المجتمع
على مدار مسيرتها، جمعت دينا بين السعي العلمي وخدمة المجتمع، وكانت من عشاق العمل التطوعي حد قولها.
حصلت منذ ٢٠١٢ على أكثر من 21 جائزة عالمية في الكيمياء، ومؤخرًا اطلقت براند Dindado من قلب كوريا، الذي أصبح مرجعًا في منتجات العناية بالبشرة.
- تقرير / دليل يوسف