لم تكن الإخوة اسماً يتكرر ثلاثياً، وليست الصداقة مجرد كلمة تُقال، ولا هما وعد يقطع ثم تذروه الرياح.. إنما هما ذاك العهد الصامت بين قلبين يعرف كلٌّ منهما كيف يكون للآخر سنداً في لحظة ضعف، ورفيقاً في ساعة فرح، وملاذاً حين تضيق السبل. ومن بين كل الوجوه التي مرّت بي في دروب الحياة، يبقى خالد إبراهيم زكريا ـ المدير الأسبق لفرع البنك المركزي في عدن ـ الوجه الأكثر التصاقاً بروحي، والأقرب إلى قلبي.
يمر عام على رحيله، وما زال حضوره بيننا أكبر من الغياب.. لقد كان خالد زكوه مدرسة في الوفاء الوطني قبل أن يكون أخًا وصديقًا، وإن أسى ما أنسى يوم حمل على عاتقه مسؤولية إدارة البنك المركزي في عدن خلال أصعب مراحل الوطن، إبان حرب 2015، حين كان الخوف يحيط بكل زاوية، والمخاطر تتربص بكل قرار، لكنه اختار طريق الصمود، فرفض أن يكون البنك أداة بيد جماعة الحوثيين، ووقف شامخًا رافضًا الضغوط، محافظًا على الأمانة المالية للشعب، مؤمنًا أن الوطن أكبر من كل إغراء وأعظم من كل تهديد.
لقد كان موقفه ذاك موقفًا تاريخيًا، يليق برجل آمن أن الوظيفة تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا مصلحة، بل وتعرض - رحمه الله - لمخاطر جسيمة، حين طال الإرهاب الحوثي مقر إقامته والبنك معًا، فنجا بقدر الله ليواصل مهمته، ماضيًا في طريق الحق دون خوف ولا تردد.
وما زالت سيرته شاهدة على أنه كان رائدًا بحق؛ فقد أعاد ترتيب نشاط فرع البنك بعد الحرب، وسهّل توريد الإيرادات، وضمان صرف رواتب الموظفين الحكوميين، متحملًا ضغوطًا وتحديات عصفت بالمكان والزمان، لكنه كان أكبر منها جميعًا.
أما أنا، صديقه وأخوه، فأشهد أن (خالد) لم يكن مجرد رفيق درب، بل كان روحًا تُضيء ليل الأصدقاء، وكان نافذة مفتوحة على الصدق والطمأنينة، وأرضًا خصبة للوفاء، معه أدركت أن الأخوّة لا يشترطها الدم، وتكرار الاسم في البطاقة بل تُبنى على المواقف النبيلة التي تظل حيّةً بعد رحيل أصحابها.
سلامٌ على روح (خالد) الخالد في ذكرى رحيله الأولى.. وسلامٌ على مواقفه التي ستبقى تروى جيلاً بعد جيل، لقد رحل جسدًا، لكنه باقٍ فينا قيمًا، ومواقفًا، وأخلاقًا.. سيظل خالد إبراهيم زكريا صورة من صور الوفاء الإنساني، ورمزًا وطنيًا خالدًا لا يغيب.