آخر تحديث :الإثنين-29 سبتمبر 2025-07:48م
أدب وثقافة

الحضّانة (٨) قصة

الإثنين - 29 سبتمبر 2025 - 06:28 م بتوقيت عدن
الحضّانة (٨) قصة

المبايعة الأولى

يجلس متكئا ذراعه اليمنى على مايشبه الصندوق الخشبي على زاوية من زوايا الشارع المزدحم بالمارة الذين يجوبون الشارع مترددين على المحال التجارية المصطفة على طول وعرض الشارع يبحثون عن حاجاتهم وهو قابعا في مكانه تارة يحذق النظر في جواله يبحث عن قصة أو نكته تضحكه او مشهد يثير غرائزه المتوهجه وتارة يدقق النظر في المارة وربما يعلق نظرة باتجاه أحدى المارات أثار لباسها الضيق فضوله فالقى اليها عبارة بين الغزل والنقد الفاضح وتارة يعود يتفخص كيس القات ( اوراق شجر شديد الخضرة يمضغ ليوصل ماضغه إلى حالة من النشوة) فكلما تفحص القات وجد كثير من أوراقه حارقة ( اصابها الأصفرار او السواد بسبب التعفن) فليس ثمة أوراق قليلة تصلح لمضغها يرن جواله ذو الشاشة المشققة بالكاد يلمح رقم المتصل هو رقم زوجته يغلق الجوال حتى لا يستمع إلى طلبات زوجته وشكواها المستمرة من ضيق الحال ونقص متطلبات البيت والاولاد يضع بعض الأوراق في فمه بين أضراسه المهترئة من عادة مضغه للقات وهو يتمتم :

مثل هذا القات لا يمضغ لكن هو الموجود مشي الحال

وهو تارة بين تفحص وريقات القات ودفع أحسنها إلى فمه بين أضراسه حتى يطحنها ويخزنها في سدغه حتى يتكون ما يشبه نصف الكرة على خذه الأيمن وتارة يقلب جواله علّه يجد ما يثيره ويشغله عن مشاكله المستمرة مع زوجته بسبب ضيق الحال وقلة ذات يده واخرى يقلب نظرة في المارين في الشارع .

تقف سيارة فارهة سوداء معتمة الزجاجات يرتفع بوق السيارة ينزل زجاج إحدى نافذاتها تطل من على الكرسي إمرأتان تخطتا الأربعينيات بكثير في كامل زينتهما تشير إليه إحداهما بسبابتها أن أقترب يقف في ذهول وهو يدقق النظر في ملامحها الخالية من الأنوثة رغم المكياج الفائق والمبالغ فيه وهو يقلب ذكرياته علّه يتذكر ملامحها تذكره بزمن مضى من عمره لكن بشاعة مظهرها وعينيها المكسوة بالوقاحة منعته من تذكر صورتها في زمن براءته وطفولته ينهض من مكانه يقترب من السيارة يقف إلى جوار النافذة قائلا:

أي خدمة

تلتفت إليه السيدة الأخرى الجالسة على كرسي القيادة فيصيبه الإشمئزاز من قبح ملامحها رغم عنايتها الفائقة بالمكياج المبالغ فيه يبتعد قليلا عن النافذة وكأنه أحس برغبته ليتقيئ ويستفرغ ما في بطنه وهو يشرع في الإبتعاد تبادره إحداهن قائلا:

معك المستشارة القانونية والمحامية الأولى في المدينة

بانفاس متقطعه يبادر بسؤال أخر:

ما المطلوب مني

دون أن تتكلم تمد يدها في كيس تخرج منه ربطة قات من أجود وأغلى أنواع القات ربما يصل قيمته إلى عشرات الألاف من الريالات

تتسع حذقة عينيه وهو يقلب النظر في زربة القات( حزمة) هل يرفضه او يقبله ؛ تقترب يد المرأة نحوه بحزمة القات الغالية دون مقاومة يمد يده ليقبض الربطة من القات بين يديه وعقله تساوره كثير من الأسئلة لكن مثل هذا العرض لا يقاوم وقبل أن يتفوه بكلمة تبادرة السيدتان الاربعينيتين،

هذا لك وأيضا أكثر من ذلك

يكرر بذهول وصوت منخفض وعينين تائهتان :

هذا لي

تخرج المرأة القابعة خلف مقود السيارة السوداء الفارهة حزمة من النقود وهي تتلفظ بالفاظ تغريه بالمزيد؛

ولك أكثر

يستعيد أنفاسه يتراجع إلى الخلف وهو يوجه نظره نحو السيدتين ويعصر دماغه علّه يتذكر أوصافهما في مرحلة من حياته وربطة القات مازالت في يده تبادرة إحداهن قاىلة :

أنت مسؤول قسم الحضانة في المشفى

بصوت متلعتم يشوبه الخوف والقلق:

ن نعم

بجرأة إلى حد الوقاحة :

حصّانه لمدة شهر فقط وتتحقق كل أحلامك

يتراجع إلى الخلف ويعود يجلس ويتخذ وضعية الإتكأ وربطة القات في يده وإلى جواره كيس القات البارحي ( من يوم اوايام سابقة قد تعفنت بعض أوراقه)

تارة ينظر إلى الكيس وأخرى إلى الربطة التي في يده وتارة إلى السيدتين وحزمة الفلوس في يد إحداهن حتى يتخذ القرار والهواجس تعصف به وضميره يلقي إليه عشرات الأسئلة التي ربما التفكير في بعضها يفزعه ويقلق سكينته.

عصام مريسي