آخر تحديث :الثلاثاء-30 سبتمبر 2025-01:14م
أخبار المحافظات

مواطنو ريف أبين يبيعون حميرهم بعد مواشيهم لتأمين لقمة العيش بسبب تأخر الرواتب

الثلاثاء - 30 سبتمبر 2025 - 11:18 ص بتوقيت عدن
مواطنو ريف أبين يبيعون حميرهم بعد مواشيهم لتأمين لقمة العيش بسبب تأخر الرواتب
كتب / د. الخضر عبدالله:

في سوق صغير مكتظ بأصوات الباعة والمشترين في عاصمة مديرية لودر بأبين يقف "أبو صالح"، وهو موظف حكومي في الخمسين من عمره، بجانب حماره الذي رافقه سنوات طويلة في أعماله اليومية. يمسح على رأس الحيوان بنظرات حزينة، قبل أن يوافق على بيعه بسعر لا يتجاوز نصف قيمته الحقيقية. يقول بصوت متهدج: "لم أكن أتخيل أن يأتي اليوم الذي أبيع فيه حماري الذي يُعتبر رأس مالي، فقد كان وسيلة رزقي وحمّالي الوحيد في الطريق الوعرة.. لكن غياب راتبي منذ أربعة أشهر جعلني مضطراً لهذا القرار القاسي."

الحمار.. شريك الحياة اليومية

في ريف مناطق أبين، "الحمار" ليس مجرد دابة للنقل، بل هو رفيق الحياة اليومية للأسر، يعتمدون عليه في جلب الماء، ونقل الحطب، وحمل البضائع من السوق. ومع تأخر صرف الرواتب، وجد كثير من الموظفين أنفسهم أمام خيار مرير: بيع هذا "الشريك" الوحيد لتغطية أبسط الاحتياجات من غذاء ودواء.

قصص مؤلمة تتكرر

"قاسم"، معلم في إحدى المدارس الريفية، اضطر لبيع حماره قبل شهر بعدما عجز عن سداد ديونه لصاحب البقالة. يروي قصته قائلاً: "اشتريت هذا الحمار قبل خمس سنوات، وكان يساعدني في نقل الماء إلى بيتي البعيد عن البئر. بعد تأخر راتبي، لم أجد وسيلة لإطعام أطفالي سوى بيعه. اليوم أمشي على قدميّ لمسافات طويلة، لكن لا خيار لدي."

أما "أم علي"، وهي زوجة موظف متقاعد، فتقول: "كان عندنا حماران نستخدمهما لنقل العلف والحطب وبيع بعضه في السوق، لكن بسبب تأخر معاش زوجي اضطررنا لبيع واحد منهما. حين خرج من البيت أحسست أنني فقدت جزءاً من حياتي."

أسواق مزدحمة وانخفاض الأسعار

في الأسابيع الأخيرة، تحولت أسواق المواشي والحمير في بعض المناطق الوسطى في ريف أبين إلى مشهد غير معتاد، حيث اصطف المئات لبيع حيواناتهم. ومع كثرة العرض وضعف الطلب، تراجعت أسعار المواشي والحمير بشكل كبير. أحد التجار أكد أن سعر المواشي انخفض إلى النصف تقريباً، مما جعل الخسارة مزدوجة: الموظف يخسر راتبه، ويخسر كذلك قيمة حيوانه الذي مثل وسيلة رزقه.

بيع الحمير لم يكن قراراً سهلاً، بل يعكس حجم الأزمة التي يعيشها المواطنون. فقدان هذه الوسيلة يعني مضاعفة المشقة في القرى البعيدة عن الأسواق، حيث لا مواصلات مستمرة ولا طرق معبّدة، والاعتماد على الحمير ضرورة يومية. كما أن تراجع أعداد الحمير في أيدي الأسر قد يؤثر على نمط الحياة الريفية بالكامل.

صرخة مواطنين: الراتب حق

يؤكد المواطنون أن بيعهم لحميرهم ليس سوى نتيجة طبيعية لتأخر الرواتب، وأن استمرار هذا الوضع سيدفعهم لبيع المزيد من ممتلكاتهم. يقول أحد الموظفين بحسرة: "اليوم بعنا حمارنا، وغداً قد نضطر لبيع ما تبقى من بيتنا.. الراتب حقنا، ولا نريد أن نصل إلى هذا الحال."

همسة

هذه السطور ليست مجرد سطور عابرة، بل هي صورة مؤلمة لعمق المعاناة التي يعيشها المواطن في بلادنا مع تأخر صرف الرواتب. ففي مجتمع يعتمد على هذه الحيوانات كعصب للحياة، يصبح بيعها إعلاناً عن وصول الأزمة إلى عتبة البيوت والقلوب. وبين دموع الباعة وصمت الحمير التي تُساق إلى المجهول، يظل صوت واحد يتردد: "أعيدوا لنا رواتبنا.. قبل أن نفقد ما تبقى من معيشتنا وكرامتنا."