آخر تحديث :الثلاثاء-30 سبتمبر 2025-11:29م
أدب وثقافة

وارفة الظلال ( قصة)

الثلاثاء - 30 سبتمبر 2025 - 09:52 م بتوقيت عدن
وارفة الظلال ( قصة)
بقلم / عصام مريسي

الراحل الثاني

تعصف الريح بكل ما يصطدم بها وتلقي كل الأشياء بعيدا تتناثر أوراق النيم المصفرة هنا وهناك تغطي الأرضية المحيطة بالمنزل الخشبي وتضفي عليه الصفرة المشوبة بالخضرة فيرتسم لوح فني يوحي بالنظارة والحياة المشرقة التي تنبعث من أعقاب الإندثار والنهاية لتبدأ حياة جديدة يرتبط فيها الحاضر بالماضي وينبثق منه عبق الزمن الذي خط تجاعيده على بشرة الخالة التي تعد علامة من اعلام الحي يستدل به بتواجدها الحي الذي تقطنه الخالة العجوز وكرسيها الخشبي العتيق أمام بوابة منزلها المتواضع والذي هو أقدم منزل بني في الحي الذي تشابكت بيوته الشعبية المتواضعة بالمباني العملاقة واوراق النيم تتطاير في نواحي الحي وربما سألها بعض الناس من الجيران منحهم بعض أغصان النيم الطرية للتداوي به من بعض الأمراض وهي بكل شغف تمنح رخصها لكل من يطلب ذلك بل وتوجهه إلى حيث الأغصان الطرية والنظرة .

مازالت الخالة قابعة على الكرسي العتيق تلوح بيدها لكل من يمر يلقي عليها التحية ببشاشة وقبل أن تنهض من مكانها لتأدية الصلاة تقف سيارة قديمة يضج محركها بضوضاء ملأت المكان ينفتح باب السيارة محثا أزيز يتردد في أنحاء المكان يترجل منها أكبر أولادها يتقدم بخطوات متتابعة نحو والدته يقف أمامها ينحني يقبل رأسها ويهمس في أذنيها:

أمي .. سوف أغادر البلاد

تحبس أنفاسها للحظات تحاول النهوض وقبل أن تتفوه بكلمة يسارع ولدها بتبرير سفره:

أمي ضاقت الأحوال في البلاد وطلب الرزق ضاقت سبله.. ارجوك أمي أمنحيني بركة رضاك.

بقلب كسير وفؤاد جريح وهي مازالت حزينة كسيرة بفراق زوجها الذي ودعته إلى مثواه الأخير في الدنيا بعد أن شاطرها الحياة ومعركتها لأكثر من ثلاثة عقود كان فيها رفيقها وشريك حياتها مواسيا لها في كل ملمات الحياة.

تنهض واقفة تمد ذراعيها نحو كتفيه تجذبه نحو صدرها تحتضنه بقوة تذرف عينيها دموع لالم الفراف تقبل جبينه قائلة:

موفق يا ولدي.. لن اقف عقبه في طريق مستقبلك

مازال يقبل رأسها وجبينها حتى يحشرج صدره بأنفاس تشبه البكاء فيتجاذبان الأنين وهو يحاول طمأنت والدته العجوز:

ساعود أمي فترة قصيرة

بصوت الأم الدافئ تودعه؛

ستجدني إن أطال الله في عمري هنا تحت ظل شجرة المريمرة التي عمرها أكبر من عمرك يا لدي

يترجل مرة أخرى نحو السيارة القديمة يغلق باب السيارة ينظر نحو أمه ملقي تحية الوداع يرتفع صرير صوت محرك السيارة وتندفع اعمدة الدخان الذي يغطي المكان وتنطلق السيارة بمن عليها حتى تتوارى عن المكان والأم مازالت تنظر نحو الافق البعيد وقلبها يعتصر ألما لفراق أكبر أولادها.

عصام مريسي