آخر تحديث :السبت-18 أكتوبر 2025-05:06م
مجتمع مدني

قيثارة العصر وشاهد التاريخ: المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل ( أطروحة دكتوراه مهمة للشاعر محمود أبوبكر)

السبت - 18 أكتوبر 2025 - 02:32 م بتوقيت عدن
قيثارة العصر وشاهد التاريخ: المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل ( أطروحة دكتوراه مهمة للشاعر محمود أبوبكر)
كتب/ مجيب الرحمن الوصابي:

يمثّل القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي حقبةً عصيبةً ومفصليةً في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، فقد كانت فترة اضطرابات جسام ومتغيرات عاصفة، تجلت في وهن الخلافة العباسية وسقوطها المدوّي تحت وطأة الغزو التتري الشرس، وتوالت عليها أيضاً وقائع الحروب الصليبية. ولم تكن منطقة اليمن والحجاز بمعزل عن هذه الأحداث المتدفقة، فبعد سيطرة الأيوبيين على اليمن عام (569هـ/1174م) وتأسيس حكمهم، آل الأمر إلى الرسوليين سنة (626هـ/1229م). وقد خاض الرسوليون منذ بزوغ دولتهم صراعاً مريراً مع الأيوبيين في مصر للسيطرة على مكة، كما واجهوا الأئمة الزيديين في الشمال، واستطاعوا بحنكتهم وبأسهم التغلب على خصومهم وتوسيع نفوذهم حتى امتدت دولتهم لتشمل مكة والمدينة شمالاً وظفار الحبوضي جنوباً.


الشعر مرآة الأمة وسجل التجارب


لا ريب أن هذه الأحداث الجسام ألقت بظلالها الكثيفة على مناحي الحياة كافة؛ السياسية والاقتصادية والفكرية والحضارية. وفي خضم هذه التحولات، برز الشعر بصفته مرآة المجتمع الناطقة وسجلّه الأمين؛ فهو ليس مجرد جماليات فنية وبلاغية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليغدو رصيداً للماضي، وتوثيقاً للحاضر، واستشرافاً للمستقبل. لقد جسّد الشعر تجارب الأمم، وغاص في أعماق المجتمعات، وصوّر بأمانة تقاسيم الحياة بكل مآثرها وعاداتها وتقاليدها، مختزلاً الآثار السعيدة والأليمة.


ابن هتيمل: الشاهد والراوي


من بين شعراء اليمن الكبار الذين عاصروا هذا القرن المضطرب، يبرز اسم القاسم بن علي بن هُتَيْمل الضمدي (606هـ/1210م-696هـ/1297م)، الذي عاش قرناً كاملاً تقريباً، وتنقل بين اليمن والحجاز. كان شاعراً ذائع الصيت، غزير النتاج، نظم في شتى الأغراض، لكن المدح غلب على قصائده، مما أكسبه مكانة رفيعة لدى سلاطين الدولة الرسولية وأمرائها، والأئمة الزيديين، وأشراف مكة.


لم يكن ابن هتيمل مجرد مادح؛ بل كان شاهداً حياً على عصره، وثّق في شعره معظم الأحداث وعايش أهم المتغيرات. لقد عكس الواقع الاجتماعي والثقافي بصورة مباشرة ونابضة، فغدا شعره مادة خصبة لاستكشاف ملامح المجتمع اليمني في ذلك العصر، بما حواه من أخبار وأمثال وقصص ومواقف، وبما سجّله من صراعات سياسية وتباينات اجتماعية.


دوافع الدراسة وإشكاليّتها


لقد جاء اختيار دراسة "المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل" تأسيساً على القيمة التاريخية والفنية لهذا الشاعر وشعره. وتتحدد الإشكالية البحثية الرئيسة في التساؤل: ما صورة المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل؟ وينبع هذا الاهتمام من عدة اعتبارات جوهرية:


الميل الشخصي للدراسات الأدبية ذات البعد الاجتماعي.



إبراز دور ابن هتيمل كأحد أبرز أعلام اليمن الذين لم يحظوا بالاهتمام الكافي مقارنة بأقرانهم في الأقطار الأخرى.


كون شعره مادة خصبة لتصوير جوانب الحياة اليمنية آنذاك، بفضل معاصرته لأغلب أحداث القرن وتنقله بين مناطقه.


ندرة الدراسات السابقة التي تناولت المجتمع اليمني في تلك الفترة من الزاوية الأدبية التحليلية، خاصة من خلال شعر ابن هتيمل.


وتهدف الدراسة إلى الكشف عن معلومات وحقائق لم تذكرها كتب التاريخ، لا سيما ما يتعلق بمنطقة المخلاف السليماني موطن الشاعر، وإبراز صورة شاملة ومتكاملة للبنية السياسية والاجتماعية والفكرية والحضارية للمجتمع اليمني.


المنهجية والهيكلية


اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، جامعاً بين التحليل الأدبي والنقد الاجتماعي لنصوص ابن هتيمل، مع ربطها بسياقها التاريخي ومقارنتها بالمصادر المتاحة، لضمان استجلاء دلالات الشعر وتوثيقها. وتكوّن هيكل الدراسة من تمهيد نظري، وبابين رئيسيين، خُصص الأول منهما للواقع السياسي والاجتماعي (الصراعات الداخلية والخارجية، التباين الطبقي والقومي والعادات)، والثاني للواقع الفكري والحضاري (الحياة الدينية والعلمية والأدبية، ومظاهر الحضارة الروحية والمادية).


ولتحقيق أهدافها، اعتمدت الدراسة على مجموعة ثرية من المصادر التاريخية والجغرافية المعاصرة لعصر الشاعر والمتأخرة عنه، مثل: "نور المعارف في نظم وقوانين وأعراف اليمن"، و"العقود اللؤلؤية" للخزرجي، و"السمط الغالي الثمن"، وغيرها من كتب السير والتراجم والرحلات كرحلة ابن بطوطة.


تحديات الطريق وكلمة ختام


لم تخلُ رحلة البحث من صعوبات، أبرزها قلة المصادر التاريخية المعاصرة الموثقة لحياة الشاعر وأحداث موطنه (المخلاف السليماني)، مما استدعى جهداً مضاعفاً في التحليل المباشر لقصائده، فضلاً عن محدودية الدراسات السابقة التي تناولت شعره من هذا المنظور.


وفي الختام، لا يدّعي هذا الجهد الكمال الذي بذله الشاعر الباحث محمود ابوبكر، لكنه سعيٌ لتقديم دراسة علمية رصينة تستكشف المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال وثيقة فنية صادقة هي شعر ابن هتيمل، لتكون لبنة تضاف إلى صرح البحث في التاريخ والأدب، وتفتح آفاقاً جديدة للباحثين