في حدث أكاديمي متميز، ناقش الباحث اليمني محمود محمد يحيى أبوبكر، صباح اليوم السبت 18 اكتوبر 2025 في قاعة القرمادي بجامعة تونس، أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في اللغة والأدب والحضارة العربية، والتي جاءت تحت عنوان: "المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل". وقد حظيت الأطروحة بإشادة لجنة المناقشة، التي منحته بناءً عليها درجة الدكتوراه بتقدير "مشرف جداً - امتياز"، مع مرتبة الشرف.
رحلة إلى عصر مضطرب من خلال قصيدة
تمثل الأطروحة إضافة نوعية للدراسات التاريخية والأدبية، حيث تغوص في دراسة حقبة عصيبة من تاريخ اليمن والمنطقة العربية بأكملها، وهي القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، الذي شهد سقوط الخلافة العباسية بغزو التتار، واستمرار الحروب الصليبية. وفي خضم هذه الأحداث، تشكلت الدولة الرسولية في اليمن، التي خاضت صراعاتها الخاصة للسيطرة على الحجاز مع الأيوبيين، وعلى الشمال اليمني مع الأئمة الزيديين.
وفي هذا المشهد التاريخي المضطرب، تبرز الأطروحة دور الشعر بصفته مرآة المجتمع الناطقة وسجلاً أميناً يوثق تحولات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، متجاوزاً كونه فنّاً بلاغياً ليكون رصيداً للذاكرة الجمعية.
ابن هتيمل: الشاعر شاهد العيان
اختارت الأطروحة شاعراً محدّداً هو القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي (توفي 1297م)، الذي عاش قرناً كاملاً تقريباً، كمنظور رئيسي لقراءة المجتمع. لم يكن ابن هتيمل شاعراً تقليدياً، بل كان "شاهداً حياً على عصره"، حيث تنقل بين اليمن والحجاز، وارتبط بعلاقات مع سلاطين الدولة الرسولية وأمرائها وأشراف مكة. وقد جعلته هذه المكانة مُلماً بتفاصيل الأحداث الكبرى والتحولات الدقيقة في النسيج الاجتماعي، فجاء شعره مادة خصبة ووثيقة فنية صادقة لاستكشاف ملامح المجتمع اليمني.
أهداف ومنهجية رائدة
سعت الأطروحة إلى الإجابة على سؤال مركزي: ما صورة المجتمع اليمني في القرن السابع الهجري من خلال شعر ابن هتيمل؟ واعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي، الذي يجمع بين التحليل الأدبي والنقد الاجتماعي لنصوص الشاعر، وربطها بسياقها التاريخي ومقارنتها بالمصادر التاريخية المعاصرة.
وتكمن أهمية الدراسة في سدّ ثغرة بحثية، لندرة الدراسات التي تناولت المجتمع اليمني في تلك الفترة من الزاوية الأدبية التحليلية، خاصة من خلال شعر ابن هتيمل. كما هدفت إلى إبراز دور هذا الشاعر اليمني البارز الذي لم ينل حقه من الدراسة مقارنة بأقرانه، والكشف عن معلومات وحقائق اجتماعية وحضارية لم تذكرها كتب التاريخ الرسمية بشكل مفصل، لا سيما عن منطقة المخلاف السليماني (موطن الشاعر).
تتويج للجهد العلمي
تشكلت لجنة المناقشة من نخبة من الأساتذة المتخصصين، برئاسة الأستاذة الدكتورة نور الهدى باديس، وإشراف الأستاذة الدكتورة سامية الدريدي، ومشاركة كل من الأستاذ الدكتور أحمد الوردني و الأستاذ الدكتور محمد المعز جعفورة مقررين، و الأستاذ الدكتور فتحي بوهدة عضواً.
وبعد مناقشة علمية مستفيضة، أثنت اللجنة على الجهود الكبيرة للباحث وأخلاقه الرفيعة، كما أشادت بتميز الأطروحة ومنهجيتها الرصينة وعمق تحليلها، معترفة بصعوبة المهمة التي اضطلع بها، خاصة مع ندرة المصادر التاريخية المباشرة عن حياة الشاعر، مما استدعى اعتماداً مركزاً على التحليل المباشر لقصائده.
وحضر المناقشة حشد كبير من الطلاب والباحثين اليمنيين والعرب، كما شرفها بحضور الدكتور مسلي بحيبح، المستشار الثقافي المكلف في سفارة الجمهورية اليمنية بتونس، مما مثل تأكيداً على الأهمية الثقافية والوطنية لهذا الإنجاز العلمي، الذي يعد لبنة جديدة في صرح البحث الأكاديمي الذي يربط بين الأدب والتاريخ والاجتماع.
