آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-09:48ص
إقتصاد وتكنلوجيا

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث

السبت - 08 نوفمبر 2025 - 08:27 ص بتوقيت عدن
روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث
عدن الغد- متابعات

عندما تقع الكوارث يصبح عامل الوقت خصماً قاتلاً. في مثل هذه الحالات، قد تكون قدرة الروبوت على التنقّل ورسم خريطة دقيقة للموقع مسألة حياة أو موت. ولهذا، طوّر فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نظاماً جديداً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يسمح للروبوتات بإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة لبيئات معقدة خلال ثوانٍ معدودة فقط.

الهدف من هذا النظام هو تمكين الروبوتات من العمل في ظروف خطرة بسرعة ودقة غير مسبوقتين؛ من البحث عن ناجين تحت الأنقاض إلى استكشاف الأنفاق أو المناجم المتضررة.

رسم الخرائط وسط الفوضى

لكي يؤدي الروبوت مهامه في بيئات كهذه، يجب عليه أن يحدّد موقعه في المكان، في حين يرسم خريطة للمحيط في الوقت نفسه، وهي مهمة تُعرف في علم الروبوتات باسم «التوطين ورسم الخرائط المتزامن» (SLAM). وقد واجه الباحثون تحديات كبيرة في هذا المجال؛ إذ إن الأساليب التقليدية تعتمد على حساسات مُعايرة مسبقاً وتفشل أحياناً في البيئات المعقدة، في حين أن النماذج المعتمدة على التعلم الآلي يمكنها المعالجة بدقة، لكنها تظل محدودة من حيث عدد الصور التي تستطيع التعامل معها في آنٍ واحد.

من هنا، استلهم الباحثون في «MIT» فكرة مبتكرة، وهي أنه بدلاً من إنشاء الخريطة كاملة دفعة واحدة، يقوم النظام بإنشاء «خرائط فرعية صغيرة» تغطي أجزاء من البيئة، ثم يدمجها معاً لتكوين خريطة ثلاثية الأبعاد كاملة أثناء تحرك الروبوت. وبحسب تقرير «MIT»، فإن النظام «ينشئ هذه الخرائط الفرعية بشكل تدريجي ويُحاذيها بدقة، لتكوين خريطة متكاملة مع تقدير موقع الروبوت في الزمن الحقيقي».

البساطة التي تولّد القوة

ما يميز هذا النظام ليس فقط السرعة، بل أيضاً سهولة التطبيق. فغالبية أنظمة رسم الخرائط تتطلب حساسات باهظة الثمن أو إعدادات معقدة يقوم بها خبراء، في حين يمكن لهذا النموذج أن يعمل مباشرة «خارج الصندوق». يقول دومينيك ماجّو، طالب الدراسات العليا في «MIT» وقائد الفريق البحثي، إنه «لكي تنفّذ الروبوتات مهام أكثر تعقيداً، فهي تحتاج إلى خرائط أكثر تفصيلاً للعالم من حولها. لكننا لا نريد جعل عملية بناء هذه الخرائط أكثر صعوبة. لقد أثبتنا أنه يمكن إنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد دقيقة خلال ثوانٍ قليلة باستخدام أداة بسيطة وسهلة التشغيل».

أما لوكا كارلوني، الأستاذ المشارك في قسم الطيران والفضاء بالمعهد والمشرف على المشروع، فيوضح أنه «بمجرد أن توصّل دومينيك إلى فكرة الجمع بين تقنيات الرؤية المعتمدة على التعلم العميق والأساليب الهندسية الكلاسيكية، أصبح التنفيذ مباشراً نسبياً. إن الوصول إلى حل فعّال وبسيط بهذا الشكل يمكن أن يفتح الباب أمام تطبيقات واسعة النطاق».

من المختبر إلى أرض الواقع

رغم أن التجارب الأولى أُجريت داخل بيئات محدودة مثل الممرات أو الغرف المغلقة، فإن نتائجها تَعِد باستخدامات واقعية أكبر بكثير. فبالنسبة لفرق الإنقاذ، يمكن لهذه التقنية أن تمكّن الروبوتات من رسم خرائط كاملة للمناطق المنهارة بسرعة قياسية؛ ما قد يختصر الوقت اللازم للوصول إلى الناجين.

وفي المجال الصناعي، يمكن توظيف النظام داخل المستودعات والمصانع لتسهيل حركة الروبوتات دون الحاجة إلى حساسات إضافية أو توجيه بشري مستمر. ويشير تقرير «Interesting Engineering» إلى أن هذه المقاربة «تمهد لجيل جديد من الروبوتات المستقلة التي يمكنها التعرف على بيئتها باستخدام الكاميرات فقط دون تجهيزات معقدة».

التحدي الهندسي الأكبر

مع ذلك، لم تكن المهمة سهلة. يقول ماجّو إنه في المحاولات الأولى بدا أن دمج الخرائط الفرعية البسيطة فكرة سهلة، لكنه لم يعمل بدقة كافية. وبعد مراجعة أبحاثٍ في مجال الرؤية الحاسوبية تعود إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، توصّل إلى السبب: النماذج القائمة على التعلم الآلي تميل إلى تشويه التفاصيل الدقيقة في الصور، مما يصعّب محاذاة الخرائط الفرعية مع بعضها.

ويضيف كارلوني أنه «لم يكن الحل مجرد تدوير الخرائط أو تحريكها لتتطابق، بل كان علينا التأكد من أن كل خريطة فرعية يتم تشويهها بطريقة متّسقة مع البقية. ولهذا طورنا أسلوباً رياضياً مرناً لتصحيح هذه التشوهات وضمان التوافق الكامل». هذا التعديل سمح للنظام بإنتاج خرائط أكثر دقة دون الحاجة إلى معايرة الكاميرات أو ضبط معقد للبرمجيات.

نتائج واعدة وسرعة مذهلة

في الاختبارات، تمكن الباحثون من إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد شبه آنية لأماكن معقدة مثل داخل كنيسة «MIT» باستخدام مقاطع قصيرة التُقطت بهواتف جوالة فقط. وبلغ متوسط الخطأ في إعادة البناء أقل من 5 سنتيمترات، وهي دقة مذهلة بالنظر إلى بساطة المعدات المستخدمة. يؤكد «MIT» أن النظام تفوّق على النماذج السابقة من حيث السرعة وجودة النتائج دون الحاجة إلى كاميرات خاصة أو أدوات مساعدة إضافية.

نحو جيل جديد من الذكاء المكاني

يتطلع الفريق الآن إلى اختبار التقنية في بيئات أكثر تعقيداً؛ من الأنفاق الضيقة إلى المباني المنهارة، وجعلها أكثر استقراراً في الظروف القاسية.

ويعد كارلوني أن «الإلمام بالرياضيات الهندسية التقليدية ما زال ضرورياً. فكلما فهمنا بعمق ما يجري داخل النموذج، أصبح بالإمكان تحسين نتائجه وجعله أكثر قابلية للتوسع».

وبدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم ومكتب الأبحاث البحرية الأميركي ومؤسسة الأبحاث الوطنية الكورية، يشكّل هذا المشروع خطوة جديدة نحو عالم تصبح فيه الروبوتات أكثر استقلالية وذكاءً، قادرة على «رؤية» العالم من حولها وبنائه رقمياً في لحظة.