في الذكرى الخامسة عشرة لليلة التي أبهرت فيها عدنُ الخليجَ والعالم، يعود الحنين اليوم ممزوجًا بالأسى، إذ يستحضر أبناء المدينة واحدة من أكثر اللحظات إشراقًا في تاريخها الحديث، لحظة افتتاح “خليجي 20” في 22 نوفمبر 2010… تلك الليلة التي بدت فيها عدن كعروس تخرج من قلب البحر، متلألئة بالأضواء، مرتبة الشوارع، مستقرة الكهرباء، نابضة بالحياة، قادرة على استقبال الخليج بأكمله.
الدكتور خالد عبد الكريم، رئيس قناة عدن الفضائية الأسبق، استعاد تلك الذكرى المؤلمة ـ الجميلة في آنٍ واحد ـ في شهادة مؤثرة وصلت إلى صحيفة عدن الغد، يروي فيها كيف تحولت المدينة خلال أسابيع قليلة إلى لوحة من الانضباط والجمال، وكيف أثبت إعلاميو قناة عدن أنهم قادرون على صناعة حدث إقليمي كبير، وكيف عاشت ا
لمدينة واحدًا من أجمل أيامها قبل أن ينطفئ كل شيء بعدها بسنوات.
يقول الدكتور خالد إن “خليجي 20” لم يكن مجرد بطولة رياضية، بل كان اختبارًا حضاريًا وسياسيًا وثقافيًا وإعلاميًا، نجحت عدن فيه بامتياز في لحظة نادرة من تاريخها. فقد أثبتت أن لديها ما يكفي من القدرة والكفاءات والطاقة على تقديم صورة مشرقة لليمن كله. كانت الشوارع نظيفة، الإضاءة حديثة، الإشارات تعمل، المياه والكهرباء مستقرة، والمدينة ترتدي وجهها الأجمل كما لم يحدث منذ عقود.
كانت قناة عدن في قلب المشهد. فرقها الإعلامية عملت ليلًا ونهارًا، مذيعاتها ومذيعوها حملوا صوت المدينة إلى الخليج، وطاقم التصوير حلق بطائرة هليكوبتر قبل زمن “الدرون” لالتقاط مشاهد لا تُنسى، بينما تحولت عدن إلى عاصمة للفرح والضوء، في مشهد قال عنه خالد عبد الكريم: “كانت عدن تحتفي بنفسها”.
وفي ليلة الافتتاح امتلأ استاد 22 مايو بوفود الخليج. بدت عدن من الأعلى جوهرة زرقاء تُطل على العالم وهي تستعيد مكانتها. وفي ليلة الختام وصل الفنان
حسين الجسمي بطائرة خاصة ليغنّي من وسط الشيخ عثمان أغنيته الشهيرة التي رددها الجمهور بحرارة:
“أهل الخليج هم وطن واحد… وتجمّعوا في اليمن يا زين”.
كانت تلك آخر ليلة حلمت فيها عدن بما يمكن أن تكون عليه لو امتلكت دولةً تحميها، ومؤسساتٍ تخدمها، وقيادةً تمنحها حقّها الطبيعي في الحياة.
اليوم، تعود الذكرى والمدينة ليست كما كانت. الكهرباء منهارة، الشوارع متعبة، المياه شحيحة، الخدمات غائبة، والناس يعيشون في ظل دولةٍ لا تكاد تُرى إلا على الورق. مفارقة موجعة: المدينة التي استقبلت الخليج والجمهور والضيوف والفنانين، لا تستطيع اليوم تأمين إنارة ملعب صغير، ولا مستشفى يعمل بكامل طاقته، ولا شارع رئيسي دون حفر، ولا أمن يضمن استقرار الناس.
خمسة عشر عاماً فصلت بين عدن التي تألقت وعدن التي تتألم. بين عدن التي صُنعت فيها لحظة وطنية نادرة، وعدن التي تُترك اليوم لمصيرها الصعب.
ورغم الألم، تقول هذه الذكرى شيئًا واحدًا: عدن تستطيع… لكنها تحتاج دولة. تحتاج قرارًا. تحتاج من يعيد إليها حقها في الحياة.
ويبقى “خليجي 20” صفحة مضيئة في ذاكرة المدينة، ودمعة ساخنة في عيون سكانها، ودليلًا لا يمحى على أن عدن قادرة على النهوض متى ما مُنحت الفرصة.
غرفة الأخبار / عدن الغد