آخر تحديث :الجمعة-26 ديسمبر 2025-05:38م
أخبار وتقارير

قراءة سياسية لبيان المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن تطورات حضرموت والمهرة

الجمعة - 26 ديسمبر 2025 - 03:51 م بتوقيت عدن
قراءة سياسية لبيان المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن تطورات حضرموت والمهرة
غرفة الاخبار

القسم السياسي لصحيفة عدن الغد


يأتي البيان الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي في توقيت بالغ الحساسية، عقب البيان السعودي والتطورات الميدانية المتسارعة في حضرموت والمهرة، ما يجعله بيانًا محمّلًا برسائل سياسية وأمنية متعددة، تتجاوز ظاهر النص إلى ما بين سطوره.


أول ما يلفت الانتباه في البيان هو حرص المجلس على إعادة تأطير تحركاته العسكرية بوصفها استجابة لإرادة شعبية جنوبية وضرورة أمنية، وليست خطوة تصعيدية منفلتة أو قرارًا أحاديًا. هذا التأطير يعكس إدراك المجلس لحساسية الموقف الإقليمي، ومحاولة تثبيت شرعية التحرك ميدانيًا وسياسيًا، خصوصًا في ظل ربطه الصريح بمواجهة الجماعات الإرهابية وقطع خطوط إمداد جماعة الحوثي، وهي مفردات تتقاطع مع خطاب التحالف العربي نفسه.


في المقابل، يتجنب البيان بشكل لافت أي إشارة إلى الانسحاب أو إعادة الانتشار، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. بل على العكس، يستخدم لغة واضحة تؤكد “استمرار جهود القوات المسلحة الجنوبية” وتأمين وادي حضرموت والمهرة، وهو ما يُعد نفيًا عمليًا لأي قراءة تتجه نحو اعتبار البيان تمهيدًا لتراجع ميداني.

هذا الثبات اللغوي يعكس قناعة لدى المجلس بأن أي انسحاب دون مقابل سياسي أو أمني سيُقرأ كإضعاف لموقفه، داخليًا وخارجيًا.


أما الفقرة المتعلقة بـ”الانفتاح على أي تنسيق أو ترتيبات”، فهي تمثل المساحة الرمادية المقصودة في البيان.

فالمجلس لم يغلق الباب أمام السعودية أو التحالف، لكنه في الوقت نفسه ربط أي تنسيق بضمانات صريحة تتعلق بأمن الجنوب ومنع عودة التهديدات. بمعنى آخر، هو انفتاح مشروط، لا يحمل في جوهره استعدادًا للتراجع، بل رغبة في تنظيم الواقع القائم وفق تفاهمات، لا فرض وقائع معاكسة.


اللغة المستخدمة عند الحديث عن القصف الجوي الذي استهدف قوات النخبة الحضرمية تكشف بدورها عن امتعاض سياسي واضح. فوصْف القصف بـ”المستغرب” والتأكيد على أنه “لن يخدم أي مسار تفاهم”، يعكس اعتراضًا محسوبًا، لا يصل إلى حد القطيعة، لكنه يرسل رسالة بأن المجلس يرى نفسه شريكًا لا تابعًا، وأن الضغط العسكري الجوي لن يكون أداة ناجعة لدفعه إلى تغيير خياراته.


ويُلاحظ أن البيان يعود في خاتمته إلى التأكيد على التفويض الشعبي للرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، وهي نقطة جوهرية تحمل بعدًا سياسيًا داخليًا بقدر ما تحمل بعدًا خارجيًا. فاستدعاء التفويض في هذا السياق يعني أن المجلس يربط تحركاته الحالية بمسار طويل المدى، لا باعتبارها أزمة عابرة يمكن احتواؤها ببيان أو ضغوط ظرفية.


في المحصلة، يمكن القول إن بيان المجلس الانتقالي الجنوبي ليس بيان تراجع أو انسحاب، بل بيان إعادة تموضع سياسي: تمسك بالميدان، انفتاح محسوب على التفاهم، وحرص على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع السعودية، دون تقديم تنازلات جوهرية تمس جوهر المشروع أو الواقع العسكري القائم. هو بيان يسعى إلى كسب الوقت، وتثبيت المكاسب، وإبقاء خطوط التواصل مفتوحة، في انتظار ما ستؤول إليه الترتيبات الإقليمية القادمة.