الأوامر الإلهية في القرآن الكريم تأتي دائماً بصيغة مباشرة، بسيطة وواضحة، لتدل على وجوب العمل دون مقدمات. نجد ذلك في آيات عديدة: *"أقيموا الصلاة"، "آتوا الزكاة"، "من شهد منكم الشهر فليصمه"، "إذا نودي للصلاة فاسعوا إلى ذكر الله"، "أوفوا بالعقود".*
كل هذه الأوامر تُخاطب الإنسان بلا أي صياغة تمهيدية، تجسيداً للوضوح الإلهي في توجيهاته للبشر.
إلا أن هناك أمراً وحيداً تميز بصياغة تليق بعظمة صاحبه ومقامه الكريم، وهو الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: *"إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً"* (الأحزاب: 56).
هذه الآية لم تكن مجرد أمر، بل قُدمت بتعظيم يتناسب مع منزلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الله سبحانه وتعالى استهل الآية بأداة التوكيد "إن"، التي تضفي على الجملة الاسمية معنى الاستقرار والثبات.
كما أن الفعل "يصلون" جاء بصيغة المضارع، ليدل على الاستمرارية والتواصل، ليُعلمنا أن الصلاة على النبي هي فعل دائم ومستمر من الله وملائكته، مما يجعلها عبادة عظيمة تستحق أن تكون جزءاً لا يتجزأ من حياة المؤمنين.
تقديم الآية بهذا الشكل يُبرز عظمة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الله وملائكته يصلّون عليه، ثم يُوجه الأمر للمؤمنين بأن يلحقوا بهذا الفعل السماوي، قائلاً: *"صلوا عليه وسلموا تسليماً".* إنها دعوة لتكريم النبي بطاعة وتسليم كامل، تعبيراً عن المحبة والوفاء لمن كان رحمة مهداة للعالمين.
هذه الصياغة الفريدة تعكس تعظيم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام. فهو ليس مجرد رسول يؤدي رسالة، بل هو سيد المرسلين وخير البشر، الذي تستحق مكانته أن يُرفع اسمه في ذكر دائم بين السماوات والأرض.
الصلاة عليه ليست عبادة فقط، بل هي تعبير عن الوفاء والشكر لمن تحمل الأذى وبلّغ الرسالة بإخلاص.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي عبادة تتجاوز الكلمات، تحمل معاني الحب والولاء والطاعة. تقديم الأمر الإلهي بهذه الصيغة يؤكد على أهمية هذا الفعل في حياة المسلمين، ويحثهم على أن يجعلوا الصلاة والسلام على النبي جزءاً من ذكرهم الدائم.
*فهي ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي عبادة تُرفع، ومحبة تتجلى في القلوب.*