آخر تحديث :الثلاثاء-16 سبتمبر 2025-09:10ص

قطرة حظ .. انكشاف الحوثيين وخطر الاستباحة الإسرائيلية

الأحد - 31 أغسطس 2025 - الساعة 02:17 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت حكومة الحوثيين في صنعاء، الخميس الماضي ٣١ اغسطس ٢٠٢٥م، لم تكن مجرد عملية عسكرية خاطفة. لقد مثّلت صدمة سياسية وأمنية وتنظيمية داخل الجماعة الانقلابية، وأعادت فتح النقاش حول مستقبل الصراع في اليمن واتجاهاته الإقليمية، أن تُقتل حكومة كاملة في لحظة واحدة، ويُسقط رئيس الوزراء وعدد من الوزراء في عملية وُصفت إسرائيلياً بـ«قطرة حظ»، هو في ذاته إهانة قاسية للجماعة التي طالما ادعت امتلاك قبضة أمنية واستخباراتية محكمة.

لكن ما يستوقفني أكثر من تفاصيل الضربة هو السؤال الذي طرح نفسه على الساحة اليمنية: لماذا تأخرت حكومة الحوثيين أكثر من 48 ساعة قبل أن تعلن مقتل رئيسها وعدد من أعضائها؟ أهو ارتباك أمني وفجوة في السيطرة، أم تكتيك دعائي لإعادة صياغة السردية بما يخدم الجماعة؟

الحوثي كخطر وجودي على اليمن والمنطقة

منذ انقلاب 2014، لم يعد اليمن دولة طبيعية، بل تحوّل إلى منصة تهديد إقليمي. أنشطة الحوثيين في البحر الأحمر، وضرباتهم للملاحة الدولية، جعلت البلاد على خط تماس مباشر مع مصالح العالم. وهذا بحد ذاته جرّ اليمن إلى قلب معادلات إقليمية ودولية أكبر من طاقته.

غير أنني، ورغم رفضي المطلق لمشروع الحوثي الانقلابي، لا أستطيع أن أرى في التدخل الإسرائيلي خلاصاً لليمن. فالهزيمة التي تأتي من بوابة إسرائيل ليست نصراً لليمنيين، بل انتقاص من سيادتهم، وتكريس لدور عدو تاريخي في تقرير مصائرهم. إسرائيل ستبقى عدواً أولاً، ولا يمكن أن تتحول إلى منقذ في صراع داخلي كهذا.


فضيحة أمنية بامتياز

ما جرى في صنعاء يكشف حجم الاختراق داخل الجماعة. أن تُستهدف ورشة عمل حكومية في قلب العاصمة وتُباد قياداتها التنفيذية دون رصد أو رد، فهذا يعني أن الجهاز الأمني للحوثيين أضعف بكثير مما يعلنون. الضربة أظهرت أن الجماعة ليست منيعة، وأن خصومها الإقليميين والدوليين يمتلكون قدرة على النفاذ إلى عمقها.

لكن الخطر يكمن في أن هذا الانكشاف قد يُستغل لتبرير استباحة اليمن إسرائيلياً، وتحويله إلى ساحة مواجهة إقليمية مفتوحة بين طهران وتل أبيب. هنا تكمن المعضلة: الحوثي يفتح الباب أمام العدو، فيما يدفع اليمنيون جميعاً الثمن.


لماذا تأخر الإعلان؟

تأخير الحوثيين إعلان مقتل حكومتهم لأكثر من يومين ليس تفصيلاً هامشياً. برأيي، هذا التأخير يكشف ثلاث طبقات من الدلالات:

ارتباك أمني داخلي: الجماعة وجدت نفسها أمام فراغ تنفيذي غير متوقع. كان لا بد من وقت لإعادة ترتيب الأوراق ومعرفة حجم الخسائر.



خشية من ارتدادات داخلية: الصراعات بين أجنحة الحوثي ليست جديدة. وفاة رئيس وزراء وعدد من الوزراء دفعة واحدة قد تفتح شهية أطراف داخلية للتمرد أو المناورة. لذلك أُجّل الإعلان حتى يجري ضبط الموقف.



تكتيك دعائي محسوب: الحوثيون بارعون في الاستثمار بالخطاب. التأخير ربما كان فرصة لإعداد «رواية مظلومية» توظف الضربة في سياق التضامن مع غزة، ولتقديم الوزراء كـ«شهداء العدوان الصهيوني».



لعبة المظلومية من جديد

لا شك أن الجماعة ستستثمر هذه الحادثة حتى أقصى مدى. ستعيد إنتاج خطابها القائم على أنها «الطرف اليمني الوحيد» الذي يدفع ثمن مواقفه تجاه فلسطين. ستربط صنعاء بغزة، وتسوّق نفسها كحركة مقاومة مستهدفة من العدو الصهيوني. هذا الاستثمار الإعلامي سيُكسبها زخماً في الداخل ويمنحها قدرة على التجنيد والتعبئة.

لكن الحقيقة لا تتغير: الحوثي لم يوجّه بندقيته يوماً نحو إسرائيل، بل صوبها نحو صدور اليمنيين، وهدم مؤسسات دولتهم، وأدخلهم في دوامة حرب لا تنتهي.


مستقبل الحوثيين بعد «قطرة حظ»

من الناحية العملية، الضربة أضعفت الجماعة:

هناك فراغ في القيادة التنفيذية.

هناك صدمة أمنية تمنع عقد اجتماعات موسعة.

هناك انكشاف استخباراتي سيجعلها أكثر حذراً في المستقبل.

لكن من الناحية الدعائية، قد تعزز الضربة صمود الحوثيين مؤقتاً. إذ ستمنحهم رواية جديدة لتعبئة الشارع، وربط صراعهم الداخلي بقضية فلسطين، وهي ورقة يجيدون اللعب بها.


ماذا عن الحكومة الشرعية؟

الكرة اليوم في ملعب الحكومة الشرعية. أمامها فرصة لتوضيح أن الحوثي هو الذي جرّ اليمن إلى الاستباحة الإسرائيلية، وأن بقائه يعني مزيداً من الفوضى والتدخل الخارجي، وتصبح اليمن ساحة صراع بين إيران وإسرائيل.

لكن الخطر أن يظهر خطاب الشرعية شامتاً، فهذا سيُستغل فوراً من الحوثيين لاتهامها بالتواطؤ مع إسرائيل.

المطلوب خطاب متوازن: رفض الحوثي كمشروع داخلي هدام، وذراع لإيران، ورفض إسرائيل كعدو تاريخي يتخذ من ضعف اليمن ذريعة لاختراقه.


خاتمة

إن «قطرة حظ» ليست مجرد عملية عسكرية، بل لحظة سياسية كاشفة. لقد هزّت الحوثيين في العمق، وفضحت هشاشتهم الأمنية، لكنها منحتهم أيضاً فرصة لإعادة تدوير خطاب المظلومية. تأخير الإعلان عن مقتل الحكومة الحوثية كان بحد ذاته دليلاً على ارتباك داخلي عميق، وربما تكتيك دعائي متعمد.

لكن في النهاية، تظل الحقيقة صلبة: هزيمة الحوثي يجب أن تكون بيد اليمنيين أنفسهم، عبر مشروع وطني جامع، لا عبر طائرات إسرائيلية. فاليمن ليس ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية الإيرانية، ولا يجوز أن يتحول صراعنا الداخلي إلى ذريعة لتطبيع وجود العدو على أرضنا.

،،،،،،،،،

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الأحد ٣١ اغسطس ٢٠٢٥م