آخر تحديث :الثلاثاء-16 سبتمبر 2025-09:10ص

في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل علي عبدالله سعيد الصالحي

الثلاثاء - 02 سبتمبر 2025 - الساعة 11:44 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


رجال إذا رحلوا، رحل معهم زمن كامل من المروءة والوفاء

أربع عشرة سنة مرّت منذ أن غاب عن دنيانا رجل لم يكن مجرد فرد في مجتمع، بل كان مجتمعاً بأسره في رجل واحد؛ رحل الشيخ علي عبدالله سعيد الصالحي، المقاول النبيل، والرجل البرّ الكريم، والمصلح العظيم الذي كان حياته وقفاً على خدمة الناس، وسعيه دوماً في قضاء حوائجهم.

كان في مهنته مقاولاً، لكنّه لم يكن كبقية المقاولين، بل كان فارساً من فرسان العمران والخير. كل مشروع نفّذه كان شاهداً على أمانته وإتقانه، وكان ينزل عن كثير من حقوقه إذا كان العمل في سبيل الخير، خصوصاً في مشاريع المياه التي كانت تروي عطش القرى، فترتوي معها القلوب قبل الأرض. وهكذا كان: حيثما مرّت يداه، تفتّحت ينابيع الرحمة، وازدهرت قيم العطاء.

لم يكن بناء الحجر وحده همه، بل كان بناء النفوس وإصلاح ذات البين رسالته الكبرى. كان إذا وقع نزاع في القبيلة أو القرية، كان أول المبادرين، يفتح قلبه، ويبذل من ماله، ويضع مكانته الاجتماعية في سبيل الصلح، حتى صار وجهه مرآة للخير، وصوته بشارةً للسلام. كم من دماء حُقنت بفضل جهوده، وكم من صدور تصافت بعد خصام مرير، وكم من ديات وجنايات سُدّت بماله وكرمه!

ولم يكتفِ بذلك، بل كان يقرض المحتاج، فإذا عجز عن السداد، تجاوزه برحابة صدر، وكأنه إنما أقرض لله لا للعبد. كان كالغيث، ينزل حيثما اشتدت الحاجة، فيُزهر المكان، ويبتسم الوجدان.

كان أباً لليتامى، وملجأً للفقراء، ووجهاً مضيئاً في ظلام المحن، لقد فقدناك في زمنٍ كان الناس أحوج ما يكونون إليك؛ في عام 2011، حين كانت مودية وأبين كلها تغرقان في دوامة حرب ظالمة، جعلت من الأرض مسرحاً للصراع بين قوى دخيلة على مودية واهلها الطيبين.

وفي خضم تلك العواصف، رحلتَ أنت، فكان الفقد مضاعفاً، والوجع أعظم.

أيها الراحل الكبير، لقد تركتَ سيرةً أعظم من أن تُمحى، وعطاءً أسمى من أن يُنسى. فما زال ذكرك حياً في مجالس الصلح، وما زال اسمك يُذكر كلما تدفّق الماء في بئرٍ حفرتها يداك، أو جرت قناة أصلحتها بجهدك، أو ارتفعت راية صلح وقّعتها بكرمك.

طبت حيّاً بما صنعت، وطبت ميتاً بما تركت. وإن رحلتَ جسداً، فقد بقيت روحاً حيّة فينا، وسيرةً تُروى للأبناء جيلاً بعد جيل.

سلام عليك يا صديقي الحبيب يوم وُلدت، ويوم رحلت، ويوم تبعث حياً.

"عليك سلامُ اللهِ وقفا فإنني ،،،،،

رأيت الكريمَ الحرَّ ليسَ له عمرُ…"

رحمك الله رحمة واسعة يا ابا عبدالله، وجعل الفردوس الأعلى منزلك ومثواك.


✍️ عبدالعزيز الحمزة

سبتمبر ٢٠٢٥م