آخر تحديث :الأحد-19 أكتوبر 2025-01:08ص

14 أكتوبر بالنسبة لعدن ( أرض شعب هوية )

الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025 - الساعة 02:00 م
عبدالكريم الدالي

بقلم: عبدالكريم الدالي
- ارشيف الكاتب


الثورة نظريًا وكفكرة تعني عملًا عظيمًا وجليلًا لصالح الأوطان والشعوب والسيادة الوطنية، وهدف أي ثورة هو تحقيق الاستقلال الذي يضمن للشعوب الحرية والعدالة والحياة الكريمة في ظل دولة القانون.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل حققت ثورة 14 أكتوبر أي هدف من أهداف الثورة بمفهومها النظري لصالح عدن (أرض، إنسان، هوية) حتى يقول عنها شعب عدن إنها ثورة؟


وعند الإجابة على هذا السؤال نجد أن ما تحقق من 14 أكتوبر لعدن (أرض، شعب، هوية) هو استقلال ضائع في 30 نوفمبر 1967م، رجاله مشبعون بثقافة العنف والعنف المضاد، والحقد والكراهية لعدن (أرض، شعب، هوية).

فكان هذا الاستقلال الضائع إعلان بداية عهد فرض الظلم والبغي والطغيان على عدن (أرض، شعب، هوية)، والقتال المناطقي بين الإخوة الأعداء لأجل التفرد بالسلطة.

وهكذا فإن 14 أكتوبر على أرض الواقع بالنسبة لعدن وشعبها من حيث مفهوم الثورة مجرد عنوان بدون مضمون، وأهدافها شعارات للمزايدة والكذب والتضليل. لذلك كفى قراءة التاريخ المزور الذي كتب بقلم المنتصر.


في الحقيقة، تبدأ معاناة مظلومية عدن (أرض، شعب، هوية) من الحرب الأهلية في العام 1967م بين الجبهتين القومية والتحرير، والتي كانت بريطانيا سبب إشعالها. وقد حُسمت الحرب بانتصار الجبهة القومية بعد أن كانت مهزومة، عند ذلك تدخلت بريطانيا وقررت أن يكون النصر لحليفتها الجبهة القومية، فأصدر الحاكم الإنجليزي في عدن توجيهات لقادة جيش المحميات (الليوي) بالمشاركة في الحرب الأهلية الحامية الوطيس في الشيخ عثمان والمنصورة إلى جانب الجبهة القومية بالزي المدني.

وبذلك حُسمت الحرب الأهلية بالنصر للجبهة القومية، ومقابل مشاركة أفراد جيش المحميات (الليوي) في الحرب الأهلية إلى جانب الجبهة القومية، دفع الحاكم البريطاني في عدن لكل قائد من قادة جيش المحميات مبلغ 500 دينار.

وبعدها قامت الجبهة القومية بتصفية قادة جيش المحميات (الليوي) عند استلامها السلطة مباشرة، والذين أُطلق عليهم “شلة العقداء”.


وبعيدًا عن المزايدة والدجل والتضليل السياسي، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا حصل لعدن (أرض، شعب، هوية) بسبب 14 أكتوبر؟

الإجابة هي أن ما حصل لعدن (أرض، شعب، هوية) هو إعلان استقلال ضائع، ومنذ أول يوم منه أصبحت عدن تحت قبضة الظلم والبغي والطغيان، من خلال إرهاب سلطة أمر واقع فُرضت على عدن بالإكراه.

وما زالت عدن تعيش هذا الواقع إلى يومنا هذا مهما تغيرت الوجوه والأسماء، وهنا تتجلى حقيقة أن ما تعيشه عدن منذ يوم الاستقلال الضائع هو نتاج 14 أكتوبر، وليس له أي علاقة بمفهوم الثورة وأهدافها كما هو متعارف عليه.

إلا أنه ومن منطلق مفهوم “من سيطر على عدن حكم الجنوب”، أصبحت عدن وما زالت حلبة للصراع المناطقي المسلح على السلطة، الممول من الخارج بين الإخوة الأعداء لتنفيذ أجندات فرض الهيمنة والنفوذ على الممرات المائية لطريق التجارة البحرية الدولي بين الشرق والغرب.


وتتجلى معاناة مظلومية عدن (أرض، شعب، هوية) من خلال الآتي:


  1. تحايل بريطانيا ومعها الجبهة القومية على القرار الأممي لاستقلال مستعمرة عدن الذي كان من المفترض أن يكون في 9 يناير 1968م بناءً على توصية لجنة تصفية الاستعمار.
    ومن الأهمية التاريخية الإشارة إلى حقيقة تم تزويرها بقلم المنتصر، وهي أن عدن فقط لا غير كانت مستعمرة بريطانية لمدة 129 عامًا، وليس الجنوب كاملًا الذي كان عبارة عن سلطنات وإمارات ومشيخات مستقلة، ارتبطت مع ولاية عدن باتفاقيات حماية ودفاع محلية وقعها حاكم عدن مع سلاطين وأمراء الجنوب.
    وكان تحايل بريطانيا على القرار الأممي بالتعاون مع الجبهة القومية لتسليم السلطة في عدن بدون وجه حق وبدون وثيقة استقلال، ولم يتم التوقيع على محضر التسليم في مقر الأمم المتحدة بل في كنيسة الفتاة المسيحية في بروكسل نتيجة رفض الأمم المتحدة استضافة الاجتماع.
  2. بسبب موقع عدن المتميز في خط التجارة الدولي للملاحة البحرية، جعلها ذلك فريسة للصراع الدولي والإقليمي الاقتصادي لفرض الهيمنة والنفوذ عليها.
  3. خضعت عدن للاغتصاب والاستباحة أرضًا وثروة تحت مسمى “عاصمة”، فتم البسط على أراضيها وتحويلها إلى مستوطنات عشوائية بالقوة، كما أصبحت عرضة لسياسة “الترييف” غير المعلنة منذ أول يوم للاستقلال الضائع وحتى اليوم.
  4. حُرم أبناء عدن من حقوقهم السياسية والمدنية وحقهم في إدارة مدينتهم والسلطة المركزية والثروة والأرض والسكن والوظيفة القيادية، وتم نهب أملاكهم وتشريدهم قسرًا، وفصلهم من وظائفهم المدنية والأمنية وحرمانهم من الرواتب ومستحقات نهاية الخدمة، وتنفيذ سياسة إفقار غير معلنة ضدهم.
  5. طمس الهوية العدنية وعدم الاعتراف بها.
  6. تعطيل مرتكزات عدن الاقتصادية مثل الميناء والمطار والمصافي والمنطقة الحرة.
    ومنذ يوم الاستقلال الضائع، جعلوا ميناء عدن ضمن الموانئ الأكثر تأخرًا وتخلفًا بعد أن كان ثاني ميناء في العالم أهميةً من حيث النشاط التجاري والاقتصادي.
  7. عسكرة الحياة المدنية في عدن وانتشار معسكرات مليشيات منفلتة السلاح بتمويل خارجي، مع غياب الجدية في محاربة فوضى انتشار وحمل السلاح.
  8. منذ العام 2015م، يتم فرض جبايات وإتاوات على التجار بشكل غير قانوني، تُضاف إلى أسعار السلع، ويتحمل المواطن العبء الأكبر، وانتشر الفساد في كل مفاصل السلطة حتى أصبحت عدن بلا خدمات، تعيش في ظلام دامس، والموظفون برواتب غير منتظمة.
  9. منذ يوم الاستقلال الضائع في 30 نوفمبر 1967م وحتى اليوم، وعدن في قبضة إرهاب سلطة أمر واقع فُرضت قسرًا على شعب عدن، مهما تغيرت الوجوه والأسماء، فإرهاب هذه السلطة يعتمد وجوده واستمراره على الظلم والبغي والطغيان.



ختامًا، تتلخص معاناة أبناء عدن في وطن خُطف منهم في غفلة من الزمن بمؤامرة دولية إقليمية ضمن صراع الأجندات للسيطرة على الممرات المائية لتجارة الملاحة الدولية، وكان للعمالة والارتزاق المحلي دور كبير في نجاح هذه المؤامرة.

ولذلك، فإن نضال أبناء عدن من أجل استعادة وطنهم المخطوف ورفع معاناتهم لن يتحقق إلا بتسليمهم إدارة مدينتهم والحفاظ على أمنها كما كانت قبل الاستقلال الضائع عام 1967م، وذلك على طريق تحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر والتعويض العادل في ظل يمن اتحادي.


عبدالكريم الدالي