آخر تحديث :السبت-13 ديسمبر 2025-04:57م

ظُلامٌ حالِكٌ في وجهِ النُّورِ

الخميس - 11 ديسمبر 2025 - الساعة 06:44 م
نجوى حسن

بقلم: نجوى حسن
- ارشيف الكاتب


في يومٍ كان هو الأشدَّ حلكةً في تاريخِ اليمن، تَسَلَّلَ الظلامُ بين خيوطِ النورِ الضعيفة، كأنَّه عازمٌ على محوِ كلِّ بارقةِ أملٍ تُقاومُ الانطفاءَ.


وتداعتْ علاماتُ الفجرِ واحدةً تِلو الأخرى، حتى تَحوَّلَ النهارُ إلى ما يُشبهُ جنازةً مفتوحةً على السماءِ؛ سوادٌ مُدمِّر، وعتمةُ ليلٍ قاسيةٌ محَتْ كلَّ ما كان جميلًا في تفاصيلِ الحياةِ.


كان جمالُ قلبِها يتربَّصُ بها في كلِّ يومٍ، كأنَّه موعودٌ بلحظةٍ يختبر فيها قَدَرَها.

وما إنْ حلَّ ذلك اليومُ المشؤومُ حتى انطفأ النورُ الذي كانت تُضيئُه في الدُّروبِ، وارتجَّت زوايا المدينةِ غضبًـا، كأنَّ الجدرانَ ذاتها تصرخُ من هولِ الفاجعةِ.


لم يكن مقتلُها حدثًا عابرً‌ا، بل جريمةً هزَّت الضمائرَ الحَيَّةَ أينما كانت.

تألَّمَ العالمُ لاغتيالِها، لكنَّ حزنَ أهلِها كان أكبرَ من أن يُقاسَ أو يُوصَفَ.

كان فقدانُها جرحًـا مفتوحًـا في قلبِ اليمنِ نفسِه، وسهمًـا مسمومًـا أصابَ الوطنَ في أعمقِ مواضعِه.



وَطَنٌ يَجلسُ فيه الفاسِدونَ


رغم كلِّ ما جرى، لا تزالُ بلادي تُقدِّم الأكفانَ لذوي الذوقِ الرفيعِ، وتُزيِّنُ مقاعدَ السُّلطةِ بأسوأِ وجوهِ البشرِ، حتى غَدَتْ اليمنُ تعيشُ أسوأَ مراحلِها.

فلا أمانَ، ولا طمأنينةَ، ولا مقوِّماتِ حياةٍ تُذكَرُ.

ويأتي بعد ذلك الجوعُ، ويأتي قبله النهبُ والتجويعُ المتعمَّدُ.


هُم، أصحابُ النفوذِ، امتلأت بطونُهم بالسمومِ والأموالِ المنهوبةِ، بينما امتلأت أرضُ اليمنِ بدماءِ الأبرياءِ.

ومع ذلك، لا يزال بعضُ أبناءِ الوطنِ يُصفِّقون للباطلِ، ويتغاضَون عن الحقِّ، لأنَّهم أسرى الانتماءِ الحزبيِّ، لا أسرى الانتماءِ للوطنِ.


وصلنا إلى مرحلةٍ خطيرةٍ؛ مرحلةٍ لم يَعُد فيها الصمتُ ممكنًـا، ولا التحايلُ مُجدٍيا.

لقد صار الوطنُ مهددً‌ا في جذورِه، ومواطنوهُ مهدَّدينَ في حياتِهم، وحقائقُه مُشوَّهةً بين الضوضاءِ والدعايةِ والخوفِ.



قِصَّةٌ قُتِلَتْ في وَضحِ النَّهارِ


لم يكن اغتيالُ افتِهَان المشهري حدثًا يُطوى بمرورِ الأيامِ، ولا جرحًـا يشفيه الزمنُ.

كانت بوصلةً للحقِّ، فحاربَت الفسادَ بجرأةٍ نادرةٍ، فكان طبيعيًّا أن يتربَّصَ بها الفاسدونَ.

قُتِلَتْ بعشرينَ رصاصةً؛ رصاصةٍ ضدَّ الإنسانيةِ قبل أن تكونَ ضدَّ جسدِها الطاهرِ.


غَرَّتْهُم الدنيا وملذَّاتُ النُّفوذِ والمالِ، حتى باتوا يقتلون النساءَ في وضحِ النهارِ بلا خجلٍ، بلا خوفٍ، بلا رادعٍ.

انتشر الفسادُ كما ينتشرُ الغبارُ في العواصفِ، يُعمي العيونَ، ويُثقلُ الأنفاسَ، ويحجبُ الرؤيةَ عن كلِّ ما هو جميلٌ وصادقٌ.


لكنَّ مصيرَ الفسادِ — مهما طالَ — هو التنافرُ والضياعُ.

فالأوطانُ لا تبقى بيدِ القتلةِ طويلًـا، والحقُّ — وإنْ تأخَّرَ — فإنَّ له لحظةً يأتي فيها كالسيفِ القاطعِ، أو كالمطرِ الذي يغسلُ الوجعَ.



أحلامٌ تُزرَعُ وأيادٍ غادرةٌ تقتلُ


كانت افتِهَان شجرةً تُزرَعُ في أرضٍ تحتاجُ إلى الظلِّ والنَّقاءِ.

لكنَّ أيادي الغدرِ كانت أسرعَ من نموِّ الحلمِ.

قُطِعَتِ الشجرةُ في باكورةِ عطائِها، وقُطِعَ معها حلمٌ لم يكتملْ، وآمالٌ كانت معلَّقةً على تلك الروحِ الشجاعةِ.


إنَّ ما حدث لها ليس قصةً شخصيةً، بل هو مرآةٌ لحالِ وطنٍ يتمزَّقُ بين أطماعِ المنتفعينَ وصبرِ شعبٍ يحاولُ أن يبقى واقفًا رغم الجراحِ.

ومع ذلك، يبقى اليمنيُّ قادرًا — إنْ شاء — على استعادةِ الجُبْنَةِ الكبرى: وطنٍ كريمٍ، ودولةٍ مستقرَّةٍ، وعدلٍ لا يأبهُ بأسماءِ القاتلينَ ولا بأحزابِهم.


صَبْرًا يا شَعبَ اليَمَنِ


يا أبناءَ بلادي، سيبقى الحقُّ مُنتصرًا مهما طالَ زمنُ الظلمِ.


فما بُني على الفسادِ لن يصمدَ، وما قُدِّم بدماءِ الأبرياءِ لن يُثمِرَ يومًا استقرارًا ولا بركةً.

ولعلَّ ضوءًا ما — مهما بدا ضعيفًا — يجدُ طريقَه في آخرِ النفقِ.

ولعلَّ دماءَ افتِهَان تكونُ شرارةَ الصحوةِ التي تُوقِظُ ضميرَ اليمنيِّ من سباتِه.


إلى أيِّ طريقٍ يريدُ اليمنيُّ أن يسيرَ؟

إلى دربِ الحقِّ الذي يتطلَّبُ شجاعةً وصدقًا؟

أم إلى طريقِ الباطلِ الذي يصفِّقُ له البعضُ وهم يعلمونَ أنَّه يقودُ إلى الهاويةِ؟