آخر تحديث :الأربعاء-10 سبتمبر 2025-09:19م
أخبار وتقارير

استقالة رئيس الهيئة العامة للأراضي سالم ثابت العولقي.. خطوة تعكس تحديات الإصلاح في أراضي وعقارات الدولة

الأربعاء - 10 سبتمبر 2025 - 06:57 م بتوقيت عدن
استقالة رئيس الهيئة العامة للأراضي سالم ثابت العولقي.. خطوة تعكس تحديات الإصلاح في أراضي وعقارات الدولة
تقرير/ ماجد الكحلي:

قدّم أمس الأول الثلاثاء، الموافق 9 سبتمبر 2025م، رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، سالم ثابت العولقي، استقالته رسميًا إلى رئيس مجلس الوزراء الدكتور سالم صالح بن بريك، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا حول أسباب الاستقالة وتداعياتها على مسار الإصلاحات في قطاع الأراضي والعقارات، الذي يعتبر من أبرز القطاعات الحيوية في اليمن، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.



مبررات الاستقالة


وجاء في خطاب الاستقالة الذي تقدم به العولقي، أنه طوال فترة عمله كرئيس للهيئة، مارس مهام منصبه بكل أمانة ومسؤولية، مع التركيز على إيقاف النزيف في الأراضي العامة والحد من العبث بها، من خلال سلسلة إصلاحات مؤسسية وقانونية وفنية.


وذكر أن هذه الإصلاحات شملت إصدار قرارات تهدف إلى حماية أراضي الدولة والحفاظ على حقوق المواطنين، خاصة في المناطق التي تعاني من النزاع العقاري وتداخل السلطات المحلية.


وأوضح العولقي أن مساعيه للإصلاح واجهت العديد من التحديات، مشيرًا إلى أن تدخل بعض الأطراف في عمل الهيئة وعرقلة مسار الإصلاحات والتنازع في الصلاحيات، شكل عقبة كبيرة أمام جهوده في إرساء النظام والقانون.


وقال إن هذه التدخلات أعاقت قدرة الهيئة على تطبيق الإجراءات القانونية والفنية بصورة فعالة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على أداء الهيئة واستمرار تنفيذ الإصلاحات المخططة.


وأضاف: "لم أعد قادرًا على الاستمرار في موقع المسؤولية في ظل هذه الظروف التي تقيد حرية القرار وتحد من إمكانات الهيئة في ممارسة مهامها بالشكل المطلوب".


وتأتي استقالة العولقي في وقت حساس تمر به الحكومة الشرعية، وفي مرحلة إعادة هيكلة المؤسسات العامة، بعد سنوات من توقف أو ضعف الأداء في العديد من القطاعات، بسبب الحرب والنزاع السياسي.



خطوات إيجابية وعوائق


فالهيئة العامة للأراضي تعتبر إحدى الركائز الأساسية في التنمية العمرانية والتخطيط الوطني، إذ تتحكم في تسجيل الأراضي، وتخطيط المدن، وحماية الملكيات العامة والخاصة، وهو ما يجعل أي فراغ قيادي في الهيئة مسألة ذات انعكاسات واسعة على الاستثمار والعمران والاستقرار الاجتماعي في المدن اليمنية.


وأكد العولقي في خطابه أن الهيئة قد حققت خطوات إيجابية في مسار الإصلاحات، لكنه شدد على أن العوائق التي واجهتها، بما في ذلك التدخلات غير القانونية والتنازع على الصلاحيات، أثرت بشكل مباشر على أداء الهيئة، ما دفعه إلى اتخاذ قرار الاستقالة حفاظًا على المصلحة العامة وإتاحة الفرصة أمام الحكومة لاختيار قيادة جديدة قادرة على مواجهة هذه التحديات.


وختم العولقي خطابه بتمني الخير والاستقرار لليمن، قائلاً: "أرجو قبول استقالتي من منصبي، وأتمنى لبلادنا الصابر الفرج والاستقرار والسلام".



خلفية عن الهيئة العامة للأراضي


تأسست الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بهدف تنظيم وإدارة الأراضي الحكومية والخاصة، ووضع السياسات والتشريعات المتعلقة بالتخطيط العمراني وتسجيل الملكيات.


وتلعب الهيئة دورًا محوريًا في حماية ممتلكات الدولة من الاستيلاء أو العبث، بالإضافة إلى تنظيم استخدام الأراضي بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي.


على مدار السنوات الماضية، شهدت الهيئة تحديات كبيرة بسبب الفوضى في تسجيل الأراضي، وتداخل السلطات المحلية في القرارات العقارية، وانتشار النزاعات العقارية في عدد من المحافظات، مما أدى إلى تعطيل عمليات الإصلاح وتراجع دور الهيئة في حماية حقوق المواطنين.



رؤية تصطدم بواقع معقد


وفي هذا السياق، جاءت مبادرات رئيس الهيئة سالم ثابت العولقي لإصلاح النظام الداخلي، وتطبيق إجراءات تنظيمية وقانونية جديدة، ضمن الجهود الرامية لإعادة ثقة المواطنين بالحكومة والمؤسسات العامة.


ومن أبرز هذه الإجراءات التي طبّقها العولقي، تعزيز الرقابة على الأراضي الحكومية، ووضع آليات لتسوية النزاعات العقارية، وتحديث قاعدة بيانات الأراضي لضمان الشفافية، إضافة إلى إصدار قرارات مهمة لحماية الأراضي من التعديات غير القانونية. وقد اعتبر مراقبون أن هذه الخطوات شكلت جزءًا من رؤية متكاملة للإصلاح، لكنها اصطدمت بواقع معقد من النفوذ المحلي والضغوط السياسية التي تحد من استقلالية الهيئة.



انعكاسات الاستقالة


انعكاسات الاستقالة على المشهد الإداري والسياسي يُنظر إلى استقالة العولقي على أنها مؤشر على حجم التحديات التي تواجه الإصلاحات في المؤسسات الحكومية اليمنية، خصوصًا في القطاع العقاري الذي يتقاطع مع مصالح سياسية واقتصادية عديدة.


فغياب قيادة قوية ومستقلة في الهيئة قد يفتح المجال للتجاوزات أو التلاعب بالأراضي، وهو ما يهدد استقرار المدن والمناطق الريفية على حد سواء.


كما تثير الاستقالة تساؤلات حول قدرة الحكومة على حماية موظفيها واستمرار الإصلاحات دون تدخلات خارجية أو محلية.


فالعديد من الخبراء الاقتصاديين والإداريين يرون أن نجاح الإصلاحات في قطاع الأراضي يعتمد بشكل كبير على وجود قيادة قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة ومستقلة، وعلى توفير الدعم السياسي والمؤسسي الكامل لهذه القيادة.


الأراضي ليست مجرد ملكيات عقارية، بل تمثل ثروة استراتيجية ومصدرًا للأمن الغذائي والسكني، وأداة مهمة للسيطرة على النمو العمراني وتوجيه الاستثمارات.


أي خلل في إدارة الأراضي يؤثر بشكل مباشر على المواطنين، سواء من حيث الحصول على الأرض للسكن أو للاستثمار الزراعي أو التجاري.


كما أن النزاعات العقارية كانت سببًا رئيسيًا في تأزيم الوضع الاجتماعي في عدة محافظات، ما يجعل استقرار الهيئة العامة للأراضي أمرًا حيويًا لضمان حقوق المواطنين ورفع مستوى التنمية المحلية.



فرصة للتقييم


ومع هذا، يشير المحللون إلى أن الاستقالة تمثل فرصة للحكومة لإعادة تقييم هيكلية الهيئة وتطوير آليات حماية أراضي الدولة، مع تعزيز الشفافية وتطبيق القوانين، بما يحد من التدخلات السياسية أو الشخصية التي قد تعيق الإصلاحات.



الرؤية المستقبلية والإصلاح المؤسسي


تظل الخطوة التي اتخذها العولقي موجهة نحو المصلحة العامة، إذ أتاح ترك منصبه أمام الحكومة فرصة لاختيار قيادة جديدة قادرة على المضي قدمًا في برنامج الإصلاحات المستعصية. وقد يكون هذا بمثابة دعوة لإعادة النظر في أساليب إدارة المؤسسات العامة، وتطبيق نظم مؤسسية مستقلة تقلل من التدخلات غير القانونية، وتضمن استمرارية الإصلاحات بما يخدم المواطنين والدولة على حد سواء.


ويأمل مراقبون أن تتبنى الحكومة خطة واضحة لاستكمال الإصلاحات في الهيئة، تتضمن تحديث الأنظمة القانونية، وتطوير الكوادر، وتوسيع الرقابة على الأراضي، وتعزيز الشراكة مع المجتمع المدني والمستثمرين لضمان تطبيق القوانين بعدالة وشفافية.


كما أن تعزيز الاستقلالية في اتخاذ القرارات سيكون محورياً لضمان نجاح الإصلاحات المستقبلية ومنع أي محاولات للعبث بالممتلكات العامة.


استقالة رئيس الهيئة العامة للأراضي سالم ثابت العولقي تعكس التحديات الكبيرة التي تواجه الإصلاح في المؤسسات الحكومية، خاصة في قطاع الأراضي الذي يمس بشكل مباشر مصالح المواطنين والدولة.


على الرغم من الجهود التي بذلها العولقي لإصلاح الهيئة وتحقيق خطوات ملموسة نحو تنظيم الأراضي وحماية الملكيات، فإن التدخلات المستمرة وغياب الدعم الكامل حالا دون استكمال هذه الإصلاحات.


ومع رحيل العولقي (إن قبلت الاستقالة)، تواجه الحكومة مهمة عاجلة لتعيين قيادة جديدة للهيئة تكون قادرة على مواجهة التحديات واستكمال الإصلاحات، مع ضمان استقلالية القرارات وتعزيز الشفافية في إدارة الأراضي.


ويظل نجاح هذه العملية عاملًا محوريًا لتحقيق الأمن الاجتماعي، واستقرار المدن، وتعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة، في خطوة مهمة نحو التنمية المستدامة والإصلاح الإداري المؤسسي.