جدّدت إسرائيل عدوانها على اليمن بقصف عنيف لميناء الحديدة بعشرات الغارات في استمرار لسياسة استهداف المنشآت والأعيان المدنية والاقتصادية والبنى التحتية، حيث تعتبر أغلبها أهدافاً مكررة تعرضت كثيراً للقصف خلال الفترة الماضية من العدوان الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي حمّلت فيه جماعة الحوثي إسرائيل وشريكتها أميركا كامل المسؤولية عن الخسائر والأضرار الناتجة عن جريمة استهداف ميناء الحديدة؛ اعتبرت تل أبيب أن هجومها على الميناء لضمان استمرار الحصار البحري والجوي على الحوثيين، في إشارة إلى توجهها لتعطيل كلي للميناء كما حدث سابقا في عدوانها بتوقف مطار صنعاء الدولي.
ويُعتبر هذا الاستهداف، السادس منذ عام ونصف الذي يتعرض له ميناء الحديدة بنسبة تزيد على 70%، والاعتداء الإسرائيلي رقم 17 على اليمن، حيث سبق وتعرض الميناء للقصف ثلاث مرات العام الماضي، بداية في 20 يوليو/ تموز من العام الماضي، ثم استهداف آخر في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل يعود العدوان الإسرائيلي ويختتم العام بقصف عنيف للميناء في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
واستلمت أميركا الدور من إسرائيل مطلع العام 2025، حيث كانت تقود ما يسمى تحالف الازدهار لتأمين عبور السفن في البحر الأحمر من استهداف الحوثيين، فيما عادت إسرائيل مرة أخرى لاستهداف ميناء الحديدة في 5 مايو/ أيار 2025، وذلك بعد اتفاق الحوثيين مع أميركا برعاية سلطنة عمان، والذي أدى لإعلان الحوثيين تغيير استراتيجيتهم بالتركيز على السفن الإسرائيلية وفرض حصار على موانئها، قبل أن يعود الاحتلال بعد شهر واحد لاستهدافه للمرة الخامسة، وذلك في 6 يوليو/ تموز الماضي، لتجدد الاعتداء على الميناء الحيوي الواقع شمال غربي اليمن، الثلاثاء 16 سبتمبر/ أيلول الجاري، للمرة السادسة.
الباحث المتخصص في تدقيق البيانات وتتبع حركة السفن فاروق مقبل، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن أرصفة ميناء الحديدة تصل إلى عشرة أرصفة، لا تعمل منها سوى ثلاثة أرصفة فقط تستقبل السفن التي تمتلك رافعات وقادرة على تفريغ نفسها ذاتياً، أي أنها لا تحتاج إلى رافعات على الرصيف، مشيراً إلى أن الغارات الجديدة ستؤثر أكثر على النسبة المتبقية من قدرات الميناء خصوصاً إذ استهدفت الأرصفة بشكل مباشر كما اعتادت إسرائيل في قصفها على الميناء.
وبحسب مصادر ملاحية، فإن إسرائيل تركز في عدوانها على استهداف أرصفة الميناء بعشرات الغارات والتي تسببت بتدمير ما يقرب من 70% منها، أيّ نحو سبعة من عشرة أرصفة عاملة في ميناء الحديدة، إضافة إلى استهداف ضرب "اللّنشات" أو الألسنة البحرية في ميناء رأس عيسى النفطي– وهي عائمات مائية تُستخدم لدفع وتحريك السفن، الأمر الذي يتسبب بأضرار وخسائر بالغة، مع انخفاض قدرات الموانئ على استقبال السفن وتحريكها على الأرصفة.
الباحث الاقتصادي في صنعاء رشيد الحداد، يلفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذا الاعتداء الجديد على ميناء الحديدة جاء بعد إعلان الخزانة الأميركية العقوبات على عدد من السفن التي تقوم بنقل شحنات إلى هذا الميناء، إضافة إلى فرضها عقوبات وقيوداً على عدد من الشركات التي تقوم بالاستيراد وهي شركات وسيطة بين سلطة صنعاء والشركات الدولية، وتقوم باستيراد مشتقات نفطية وبعض السلع الأساسية.
وبررت وزارة الخزانة الأميركية العقوبات التي فرضتها على عدد من شركات الشحن في اليمن، بحجة قيامها بتسهيل عملية تفريغ النفط في رأس عيسى وأنشطة شحن نيابة عن الحوثيين، إضافة إلى كون الحوثيين يحتفظون بشبكات من واجهة الشركات ومسهلي عمليات الشحن غير المشروعة خارج اليمن لإدارة عملياتهم البحرية وتجنب التدقيق الدولي. ففي 28 إبريل/ نيسان و20 يونيو/ حزيران 2025، قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة بتحديد خمس سفن وتصنيف مالكيها لتورطهم في تفريغ منتجات نفطية مكررة في الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون.
كما تزامن هذا الاستهداف على ميناء الحديدة وفق الحداد، مع قرار حكومة عدن وتوجهها لمنع دخول الواردات التابعة لتجار صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء إلى الموانئ الحكومية، والتي يتم استيرادها دون العودة لبنك عدن المركزي، وذلك في استغلال للعدوان الإسرائيلي على ميناء الحديدة للسيطرة على الوضع المالي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء.
وأعلنت مصلحة الجمارك في عدن، الخميس الماضي، في بيان، اطلع عليه "العربي الجديد"، عدم السماح بأي استيراد عبر المنافذ البرية أو البحرية إلا وفق الضوابط الصارمة التي أقرتها اللجنة الوطنية لتنظيم الاستيراد.
وكانت سلطة صنعاء قد قدرت خسائر ميناء الحديدة جراء استهداف العدوان الإسرائيلي بأكثر من 1.3 مليار دولار، منها أكثر من 531 مليون دولار أضرار مباشرة، و856 مليون دولار خسائر غير مباشرة نتيجة توقف الخدمات وتعطل تدفق الإمدادات، معتبرةً أن استهداف العدوان الإسرائيلي الأميركي لمرافق مدنية محمية دولياً والصمت الدولي المخزي، "جريمة مزدوجة"، بالرغم من مخاطبة عشرات المنظمات وتسليم تقارير فنية توثق هذه الانتهاكات.