تصاعدت التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين مجددًا بعد أن أعلنت بكين فرض قيود جديدة على صادرات المعادن النادرة، ما أعاد إلى الواجهة صراعًا استراتيجيًا يمتد منذ الحرب التجارية التي بدأت عام 2018 مع فرض الرسوم الجمركية المتبادلة بين القوتين.
ويرى خبراء أن جذور هذا التوتر أعمق من الخلافات التجارية، فهي تتعلق بصعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وتحقيقها تقدمًا كبيرًا في الصناعات الحساسة ضمن استراتيجية "صنع في الصين 2025"، ما أثار مخاوف واشنطن من فقدان تفوقها التكنولوجي والعسكري.
وتسيطر الصين اليوم على أكثر من 80% من إنتاج المعادن النادرة في العالم، وهي مواد أساسية لصناعة الإلكترونيات والطائرات المقاتلة وأنظمة الاتصالات المتقدمة. ويعتبر مراقبون أن بكين تستخدم هذه المواد كأداة ضغط اقتصادي، فيما ردّت واشنطن بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 100% على وارداتها من الصين، معتبرة أن بكين تهدد الأمن القومي الأمريكي عبر أدوات اقتصادية. وقد استمرت السياسات الاحتوائية ضد الصين خلال إدارة الرئيس بايدن، لكن بأساليب مختلفة، خاصة عبر فرض قيود على تصدير أشباه الموصلات والتكنولوجيا المتقدمة.
ويشير المحللون إلى أن النزاع تجاوز حدود التجارة ليصبح صراعًا بنيويًا على النفوذ العالمي، مع سعي الصين لترسيخ نموذجها التنموي البديل عن الهيمنة الغربية، فيما تسعى واشنطن للحفاظ على تفوقها التكنولوجي والعسكري. ويشمل الصراع الحالي السوق التكنولوجية العالمية، حيث تواجه شركات صينية كبرى مثل "هواوي" قيودًا أمريكية تهدف إلى إعاقة تقدمها في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات، بينما تتنافس المبادرتان الصينية "الحزام والطريق" والغربية "البنية من أجل عالم أفضل" على استقطاب الدول النامية.
وعلى الصعيد الإقليمي، تبرز دول الخليج والشرق الأوسط في موقع حساس، إذ تعتمد القوى الكبرى على استقرار طرق الطاقة والممرات البحرية الممتدة من الخليج العربي إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر. ويجبر التنافس الأمريكي-الصيني هذه الدول على تبني سياسات موازنة دقيقة، فهي تحتاج للحفاظ على الأمن العسكري مع واشنطن والاستفادة الاقتصادية من الصين، مع مراعاة دور إسرائيل التكنولوجي والعسكري وحضور لاعبين إقليميين كتركيا والإمارات في القرن الإفريقي.
كما تكسب الموانئ اليمنية على الساحل الغربي أهمية استراتيجية متزايدة، كونها حلقة وصل بين المحيط الهندي وقناة السويس، ما يجعل اليمن ساحة تنافسية بين الاستراتيجيات الأمريكية لضمان الممرات البحرية، والصينية لتعزيز وجودها ضمن مبادرة الحزام والطريق. ومع استمرار التصعيد، قد تتأثر أسعار النفط والمعادن عالميًا، ما ينعكس على اقتصادات دول الخليج، فيما قد تستفيد بعض الدول الإقليمية من فرص استثمارية جديدة في ظل إعادة ترتيب سلاسل التوريد العالمية.
ويعد اليمن جزءًا من هذه الخارطة التنافسية، حيث قد تسعى القوى المحلية إلى توظيف هذا التنافس الدولي لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، لكن ذلك يحمل مخاطر الاستقطاب الداخلي وتأثيرًا مباشرًا على حياة المواطنين الذين يعانون من تبعات الحرب الممتدة لعقد من الزمن. وتشير التوقعات إلى أن استمرار المواجهة الاقتصادية قد يؤدي إلى نظام عالمي متعدد المراكز، حيث تفقد مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية فاعليتها، ما يجعل دولًا هشة مثل اليمن تواجه تحديات أكبر في التنمية وإعادة الإعمار.
ويخلص المحللون إلى أن الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين لن تقتصر على التعريفات أو المعادن النادرة، بل ستتسع لتشمل الطاقة والتكنولوجيا والتحالفات العسكرية، مع إبقاء اليمن والإقليم جزءًا من لوحة التوازنات الدولية الجديدة، في مواجهة تصعيد محتمل أو تحالفات اقتصادية تنافسية، حيث تلعب دول الخليج دورًا محوريًا في عبور هوة الخلاف بين القوتين الكبرى واستثمار الفرص المتاحة لمصلحة التنمية والاستقرار.