آخر تحديث :السبت-24 مايو 2025-07:31م

من لا يساير الزمن داسه السائرون !

السبت - 30 أغسطس 2014 - الساعة 03:18 ص
عبداللاه الضباعي

بقلم: عبداللاه الضباعي
- ارشيف الكاتب


 

مما لاشك فيه أن لأصحاب العقول العظيمة أهدافاً ولأصحاب العقول الأُخرى أُمنيات ، وهناك ثمة وقت في حياة الإنسان إذا انتفع به نال فوزاً ومجداً، وإذا لم ينتهز الفرصة أصبحت حياته عديمة الفائدة وبائسة، المتتبع للفترة التاريخية منذ التوقيع على اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر 1989م وحتى اليوم والنظر إلى أبرز محطاتها وعملية إدارتها ومعرفة وسائل وأدوات اللعبة السياسية المستخدمة ، تجد ان الطرف الأول كانت أدته المستخدمة والفاعلة هو العقل بكل مقاييسه فنعم الوسيلة هي على الرغم من حظه القليل في الفرص لكننا عرفناه صياد ماهر وقناص بارع في رصد وانتهاز الفرص واقتناصها وتفويتها على من هو أحق بها منه ، ونجد في المقابل أداة تفكير الطرف الثاني بأس الأداة هي ، فهي نقيضة تماماً لوسيلة الطرف الأول ، ورغم حظه في الفرص التي لا تحصى وتأتيه على أطباقا من ذهب نراه يدير لها ظهره بكل برود وسذاجة ،

 

 

وهنا مبدأ إداري معتبر لدى كافة العقلاء يقول : إذا كنت لا تجيد إدارة الأزمات تجنب صناعتها" ، ورغم ذلك فإن مشاهد الإخفاق والارتباك وإضاعة الفرص بل وصناعة الأزمات أصبحت سمة لازمة لنمط الإدارة في نشاط الحراك الجنوبي، وإضاعة فرص توظيف الزخم الشعبي لتحقيق المكتسبات ، بل العكس هو الكائن ، ان الشعوب التي تمر عليها الفرصة وهي مستيقظة فتقتنصها، لهي الشعوب التي تستحق الحياة، وهي التي تتطور وتنهض من خلال التجديد، اما الشعوب التي تمر عليها الفرصة وهي في غفوة فإنها شعوب ميتة وان عاشت على ظهر هذا الكوكب.

 

إن العالم يفسح الطريق للذين يعرفون إلى أين هم ذاهبون، ويستطيع الإنسان أن يغير حياته، إذا ما استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية ، يقول العالم الشهير "إسحاق نيوتن" أن "لكل فعل، رد فعل، مساو له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه"، وبصيغة أخرى: إن لكل فعل عواقبه، فما عليك إلا أن تنهمك في المزيد من التصرفات والأفعال، التي من المحتمل جدا أن تؤدي إلى العواقب التي ترغب فيها، وفي الوقت نفسه، ينبغي عليك أن تقرر عن وعي، تجنب كل تلك التصرفات والأفعال، التي لن تقودك إلى الأهداف المنشودة. كم هي كثيرة الفرص التي نحسن إهدارها، والفرص سريعة المجيء بطيئة العود، فإذا فاتت فإن لدينا براعة فائقة في النواح والتحسر والتناد.

 

ولعلنا سمعنا كم هي الفرص التي جاءتهم إلى عندهم، لكنهم لم يكون جاهزين لاستقبالها، حتى إذا ما أدبرت جلسوا يعضون على يديهم، ويندبون حظهم التعس والسيء !! وما هو بتعيس لكنها عقولهم السيئة. وقد جاء على لسان امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله {انتهزوا فرص الخير، فإنها تمر مر السحاب)  ما يحتم على المرء، فردا كان ام جماعة (شعبا) ان يكون مستنفرا ويقضاً دائماً ليستشعر الفرصة اذا مرت، فلا تفوته لان {الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود}، كما ان {الفرصة خلسة} على حد قوله كرم الله وجهه، فهي عندما تمر على المرء تدب امامه دبيب النمل، فقد لا تحدث ضجيجا أو قرقعة فتمر من دون ان يشعر بها ، فكيف اذا كان نائما او في غفلة؟. والفرصة هي (زمن خارج المألوف) وهي (زمن خارج الروتين) والامم والشعوب لا تنهض الا اذا عرفت كيف تقتنص هذا الزمن تحديدا اما الروتين والزمن المألوف عندها فلا تنهض به، فقد يكون عاملا للاستمرار بعد اقتناص الزمن الاستثنائي، الا انه لا يمكن ابدا ان يكون هو الزمن الاستثنائي.

 

 إن موكب التاريخ سائر، دائب في سيره، وهو لا يعرف التفاضل على أساس المقاييس الاعتباطية التي يتخيلها الفلاسفة من أصحاب الأبراج العاجية، ومن لا يساير الزمن داسه السائرون بأقدامهم، وإذ هو يستغيث فلا يسمع استغاثته أحد. ويذكر المؤرخون أن نابليون عندما جاء مصر فاتحاً، وهو يحمل معه خططه العسكرية الحديثة، قابله المماليك بسيوفهم الصقلية وهم واثقون بأنهم منتصرون عليه، فكان أحدهم يلبس الطاس والدرع على الطريقة القديمة، وهو شامخ بأنفه يظن أنه سينتصر اليوم كما انتصر بالأمس على حشود الفلاحين والمساكين، وأخذت الخيول تصهل والسيوف تلمع والغبار يثور، فخيل إليهم أن نابليون سينهزم أمام شجاعتهم النادرة وعقيدتهم الجبارة.

 

أما نابليون فكان هادئاً وقد وضع بين يديه ورقة يتأمل فيها، إنه كان يعد خطته في المناورة والتطويق وفي اللف والدوران، فهو يرسم خطاً هنا ويضع نقطة هناك كأنه كان يلعب الشطرنج أو يفتح الفال لبنات الجيران ، وما هي إلا لحظة من لحظات التاريخ الحاسمة حتى وجدنا المماليك صرعى في التراب بجببهم الفضفاضة وشواربهم الطويلة، فلم ينفعهم آنذاك حماسة أو ينصرهم هتاف. –إذن-  فالسر في النجاح والتميز يكمن في الاستعداد الدائم، والجاهزية العليا، والتسلح بأدوات المعرفة الحديثة المتجددة والمتطورة كل يوم تطلع فيه الشمس؛ فكل يوم يبزغ فجره يقول: أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود، أو كما قال إبراهام لينكولن ذات مرة: "سأدرس، وأعد نفسي، وذات يوم ستأتي فرصتي".

 

ولذلك فان العقل والمنطق يحرضان دائما على اقتناص الفرص ، لأنها هي التي تؤسس لأحداث القفزة الحضارية في حياة الامم، ان كل عمليات التغيير الاجتماعي في العالم، ولدى كل شعوب الارض، لا تتحقق الا باغتنام فرص الخير، اما الحياة الروتينية والزمن المألوف الذي تعيشه الامم فهو ليس اكثر من دورة حياتية متكررة لا تغير شيئا من واقعها و كما قال: "إيرل نايتناجل" :"إذا أتتك الفرصة ولم تكن مستعدا لها، فلن تجعل منك إلا غبيا"."  إن لاعب كرة القدم تجده يندفع باتجاه المرمى، رغم أن زميله هو الذي يمتلك الكرة، وليس هو، ولكنه يفعل ذلك، بحيث يكون في المكان المناسب وفي التوقيت السليم، لكي يسجل الكرة في الشباك، وهنا تظهر مهارة اللاعب المحترف المتمثلة في قدرته على التموضع المثالي في رقعة الملعب. لكن مشكلة ابنا الجنوب - تأتيهم الكرة وهم خارج خط التماس، لأنهم ببساطة لاعبون هواة، غير محترفين، ليست لهم القدرة على التخطيط، وقراءة خارطة الملعب، واتجاهات اللاعبين، وما ستؤول إليه الأمور، إنهم يسيرون وكأنهم يتجولون في منتزه، غير عابئين بما يجري حولهم .