آخر تحديث :السبت-02 أغسطس 2025-06:32م

أنت مصاب بالسرطان.. بين البوح والكتمان

السبت - 08 يناير 2022 - الساعة 12:20 م
د.عبدالله اسحاق

بقلم: د.عبدالله اسحاق
- ارشيف الكاتب


إذا قدر الله على الإنسان وأصيب بالسرطان فهل يجب على الطبيب إخباره ومواجهته بالحقيقة أم إخفاء الأمر عنه والاكتفاء بإخبار المرافق أو الأهل؟ هذا التساؤل تدور حوله معركة كبيرة من الآراء الفقهية والاجتماعية وحتى النفسية. فهل من حق المريض أن يعرف؟ وهل من حق الطبيب أن يخفي عنه الأمر ؟ وهل من حق الأهل كتمان الخبر عن المريض؟

في ثقافتنا العربية يرى أهل المريض أنه لا يجب إخباره ويفضلون دائما كتمان الخبر عنه (خصوصا المريض من كبار السن أو النساء) من باب الحرص على حالته النفسية والترفق والتلطف به ولكي لا ينهار ولا تخور قواه أو ينصدم ويتعذب بالخبر، ويميلون إلى إخفاء الخبر عنه أو الكذب عليه..رغم أن هذه الظاهرة بدأت تتلاشى وأصبح من الصعب مغالطة المريض، إلا أننا ما زلنا نصادف كثيرا ممن يطلبون منك عدم إخبار المريض.. وبعضهم ممن يعلمون تشخيص مرضاهم مسبقا يدخل إليك قبل المريض لينبهك أن لا تخبر المريض أو تلفت انتباهه للتشخيص. ونحن طبعا نمشي وفق رغبة الأهل ونراعي طلبهم، ولكن السؤال هل رغبة الأهل تسقط حق المريض الشخصي في العلم بمرضه وأنا هنا أتحدث عن المريض العاقل البالغ الواعي، إلا أن القرار الأخلاقي الطبي يرى عكس ما يميل إليه أغلبية أهل و ذوي المرضى ، فالمريض هو الشخص الوحيد المعني بحالة نفسه، وهو الشخص الوحيد الذي لا يجب أن يقال له غير الحقيقة وهو أيضا الشخص الوحيد الذي يهمه ويلزمه أن يعرف حقيقة حالته وعمق مرضه ومٱلاته المحتملة وتوقعات مستقبله القريب والبعيد وفق ما توصل إليه العلم حول مرض السرطان(حسب نوعه). 

وأود أن أشير هنا إلى أننا لا نربط بين الإصابة بالسرطان وحتمية الموت -لا أبدا- فهناك من حالات السرطان ما تصل فيها نسب الشفاء التام إلى ٩٠% إلا أن الرأي الطبي والأخلاقي والقاضي بضرورة علم المريض واطلاعه على كافة التفاصيل يأتي في سياق التساؤلات التالية؛ أليس من حقه أن يعلم بمرضه لكي يرتب أمور حياته ومصالحه وفق المسار والتنبؤ المتوقع له، فيستغل ما تبقى له من زمن في التوبة ورد المظالم مثلا، أو الحرص على التزود بالأعمال الصالحة وطلب الصفح والمغفرة من الله وطلب السماح من الناس إذا كان قد أذنب بحقهم.. كذلك ترتيب أمور الوصية وعدم الدخول في مشاريع مستقبلية او علاقات أو عهود لن يسعفه الزمن للوصول إليها أو إيفائها؟. كذلك إخلاء عهدته أو ذمته المالية من أي متعلقات.. فمريض السرطان مثلا إذا لم يخبره الطبيب قد يتورط في مشاريع أو علاقات وهو لا يدري أن أجله أو حالته الصحية لن تمكنه من إتمامها..او مثلا مريض سرطان ومتزوج بالخفاء أو يخفي سرا عن أهله أو ولده فمعرفته بمرضه ممكن أن تجعله يرتب أمور زواجه السري هذا أو مايخفيه عن أهله، كذلك معرفة المريض بحقيقة مرضه ممكن أن تولد له حالة من القناعة والرضا، فلا يركض خلف المستحيل ولا يبدد أمواله وجهده وجهد ذويه فيما لن يعود عليه بأي نفع، ثم إن هذا المرض الذي يأتي على هيئة جرس إنذار وتحذير للمريض ربما يجعله أكثر حظا من غيره ممن يختطفهم الموت فجأة بلا سابق إشعار أو ترتيب.

في الغرب كل القوانين والدساتير الطبية تحتم على الطبيب الحديث إلى المريض وأهله بكل مآلات المرض ومآباته ونتائجه المحتملة فيما يسمونه المآل أو التنبؤ لمسار المرض وأحداثه(prognosis)..

وأنا في مقالي هنا لا أصيغ قرارا، بل أضع تساؤلا لطالما كان مبعث حيرة عند الأطباء وأهالي المرضى، وبعد هذا كله يظل التساؤل قائماً هل من حقه أن يعلم ؟ ام من حق الأهل الكتمان؟..

د.عبدالله اسحاق

استشاري أمراض الباطنة القلب - مركز المدينة الطبي -عدن