آخر تحديث :الخميس-07 أغسطس 2025-12:13م

العنصرية المنتنة وآثارُها

الإثنين - 29 يوليو 2024 - الساعة 10:47 م
مشتاق العلوي

بقلم: مشتاق العلوي
- ارشيف الكاتب





إن الخطيئة الأولى التي اُرتكبت في هذا الكون، كان دافعُها ذاتٌ نرجسية، ترى نفسها كيانًا متعاليًا على الآخرين، ذاتٌ تعتقد بأن الأوامر الإلهية لا يُجب أن تسري عليها، ولا تشملها كباقي الخلق.
"أنا خيرٌ منه" هكذا قال إبليس مؤسس العنصرية، والطبقية الأول، ثم تناسلت بعدها العنصرية وأنجبت بنين وبنات لم يختلفوا عنها كثيرًا، حتى صارت العنصرية ليست في الأصل "نار و طين" فالأصل واحد كلنا خُـلقنا من طين.
رغم أن البعض قد نسى ذلك، فصارت العنصرية في اللون، والعِرق، والشكل، والنسب، والجماعة، والمنطقة، والقبيلة، والمال، والسلطة!
صارت العنصرية طرائق قددا، تنخر في عظم حياتنا الهش!
إن جميع المؤشرات والدلائل، المُستوحاه من الواقع تُشير إلى أننا نمضي في طريقٍ غير آمن حاضرًا ومستقبلًا، فعدم قبولنا الآخر من أبناء جلدتنا، وعدم المواطنة الحقيقة، بين أبناء الشعب الواحد، ستكون نتائجِها كارثية علينا جميعًا.
إن أدمغتنا بتركيبتها المُعقدة، المُتربية على النزغة القبلية، والعصبية، أصبحت تهمس لنا بإستمرار بأننا مختلفون، بأننا أفضل من غيرنا، بكل شيء، وأننا المخولين بحكم وقيادة شعبنا الجنوبي، وإن الجميع خونه وعملاء، رغم توجاهتنا الموحدة منذُ انطلاق الثورة الجنوبية السلمية.
تأمل معي أخي الكريم ذاتك في هذه اللحظة، وحديثك، وأفعالك، وردود أفعالك تجاه من تراهم دونك، وتختلط بهم على الدوام ..
شاهد نفسك وأنت تنظر إليهم نظرة ازدراء، وترفض أن تصافح يده يدك، وتستاء عندما يُخاطبك بلغة ليس فيها تبجيل لحضرتك.
تفكر في نفسك وأنت تحرمه من الإحترام، والتقدير، وتحتقر شخصيته!
تأمل لسانك عندما تهجو به جماعةً، أو قبيلة، أو منطقة، وتقسو به عليهم، راقب ذاتك المتضخمة بأوهام العظمة، والتميز، ذاتك التي ترى أن الموت الذي يصيب الآخرين حتمًا سيتجنُبك، وإن الكوارث التي تحل وتصيب الآخرين، لن تطالُك ولن تحل بك أو بدارك.
إن عنصريتنا المُقيتة النتنة نجدها حتى داخل البلاد الصغيرة، الواحدة المقسمة، فيمقت البدوي اليافعي، والعكس، ويمقت الضالعي العدني والعكس، ويحقد شرقنا على غربنا، ويعير غربنا شرقنا، نصف ذلك الجنس بأكمله بالحماقة والخيانة، وذلك الآخر بالبخل، وذاك الثالث بالهمجية، يقول سبحانه وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
خطاب للبشرية من ربهم، وخالقهم، خطاب واضح وصريح لا لبس فيه وليس حمال أوجه، وليس فيه ما يدعو للنقاش، والإختلاف، ميزان التقوى والصلاح هو المعيار الّذي يوزن به الناس، نسينا هذا الخطاب، نسينا أن اختلافنا لسانًا، ولونًا، وشكلًا، هو آية من صُنع الله عزَ وجلَ، ويقول سبحانه وتعالى ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم).
فحين تتمكن العنصرية من النفس، حتمًا ستعمي البصر والبصيرة، وتصبح الجريمة هي الوسيلة التي تُوصل لغاية التميز.
ولا توجد مرحلة صراع منذُ أن عرفت الحضارة الإنسانية نفسها، إلا ووراءها نعرة العنصرية، والطبقية، تُريد ان تُخضع الناس لسلطتها، وهيمنتها، وضلت الفطرة الإنسانية تُحارب هذا المسار الشاذ، حتى ظهر الإسلام ليُؤسس لدستور ومنهاج حياة يهتدي به الناس.
فلم يقم النبي صلى الله عليه وسلم بمنح امتياز عرفي لأحد من أسرته، أو يؤتيه صك غفران يعفيه من أي الّتزام، هو ذاته يقول لابنته يا فاطمة أعملي فإني لا اُغني عنك من الله شيئا.
إن نعرة العنصرية ما زالت تتناسل، وذريتها في ازدياد كل يوم، والواقع كل يوم يتعقد!
إننا نزداد تأكدًا أننا بحاجة لتك الرسالةٌ التي تحمل في طياتها، ليس منّا من دعى إلى عصبية، وتُربي حامليها على "دعوها فإنها مُنتنة" وتذيع في منابرها ألا لا فضل لعربيٍ على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى!
وتأكدوا أن أي مجتمع أدركه الجهل والتبلد، فلا بد أن تنخره العنصرية، وحب التسلط، وقد يؤدي ذلك إلى احتدام الصراع وسفك الدماء بغير حق، ونزوح للقيم والمروءة، وقد تّحول المجتمعات لساحات تطهير عرقي وطبقي كما حصل في السابق - أحداث يناير المشؤوم-.
ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم، عسى أن يكونوا خيرًا منهم).
فما يدريك أنه عند الله خيرٌ منك؟
إننا نحتاج إلى أن نعيد النظر والتفكر، في آرائنا، وقناعاتنا، ونظرتنا للحياة، حتى نهزم جيوش التحيز والعصبية، التي طالما عسكرت في دواخلنا، ونكسر عصا العنصرية التي طالما حملناها ظُلمًا وعدوانا، ضد أُناس وأفكار من حولنا، وفوق هذا كله نحتاجها حتى نلتقي الله بقلب سليم.
والسلام.