آخر تحديث :الخميس-07 أغسطس 2025-12:14م

التراجع للوراء خطوة، سبيل التقدم للأمام والنجاح

الجمعة - 18 أكتوبر 2024 - الساعة 09:30 م
مشتاق العلوي

بقلم: مشتاق العلوي
- ارشيف الكاتب



شاهدتُ قبل فترة مقطع فيديو لأحدى أساليب صيد القرود في إحدى دول أفريقيا،
يضعون جرة حجمها ثقيل، على قارعة طريق افواج القردة، والجرة تحتوي على  رقبة ضيقة، ثم يضعون نوعًا من الفواكة التي تُحبها القرود بدخل تلك الجرة، ثم يأتي ذلك القرد الجائع فيرى تلك الجرة ويكتشف ما بداخلها، فيرى تلك الفاكهة، فيدخل إحدى يديه ويلتقط الفاكهة، ولكنه لا يستطيع إخراج يديه بسبب ضيق حوقلة الجرة، فحوقلة الجرة لا تتسع ليده ممسكة بالفاكهة، فيضل متمسك بتلك الفاكهة ويحاول إخراج يده مع الفاكهة، ولكن كل محاولاته تبوءُ بالفشل. 

فيراه الصيادين من مخبئهم يتحرك حول الجرة صعودًا، فهبوطً، يمنتٍ تاره، ويسرةٌ أخرى، فيقبلوا نحوه مسرعين، يحملون الشِبَاك والحِبال، فيضل متمسك بتلك الفاكهة، والصيادون يقتربون منه، وهو مؤمن  إيمانًا قطعيًا أنها صارت مِلكًا له، معرضًا حياته للأسر، والخسارة، والعذاب، وربما الموت، بسبب تعنته، وعنادة، من إفلات تلك الفاكهة

يضل يكرر تلك المحاولات للحصول على الفاكهة، و خروجها من حوقلة الجرة لمئات المرات، لكنه مُصِر على تملُكه بتلك الفاكهة، وهو لا يعلم أن ارخاء أصابعه قليلًا سيؤدي إلى افلات الفاكهة وخروج يده بكل سلاسة، ثم الفِرار واللحاق بالركِبُ، وانتظار فرصة أخرى والبحث عن طعام يسد به جوعة

ولكن النتيجة يضل القرد متمسكًا بالفاكهة حتى يصل إليه الصيادين ويوقعونه فريسة، ويصبح أسير، بعد ما وَقِعَ وأضاع فرصه الهروب، 
رُغم أن كل الشواهد والمعطيات من حوله تصرخ وتقول هذا فخ!!!! 
أفلت ما بيدك وارحل قبل مجيء الصيادين، ولكن بسبب الأمل الكاذب والمخادع، والوهم المُطبق على ذلك القرد، أدى به إلى الأسر وربما الهلاك.... 

 فأستلهمت من تلك المقطع ، إنني قد امضيت سابق عُمري فاهم هذا الجانب غلط، فاهم أنه من الضروري المواجهة مع الواقع، وإن لا مكان لدي للأستسلام، متمسكًا بما أراه حقًا لي، رغم أن كل الشواهد تنادي لي أهرب... ؟

ساعترف أني كنت مغفل مثل ذلك القرد، بدخولي معارك، وحوارات، ومواضيع، فيها  كُل الشواهد تقول لي أهرب، أهرب، أهرب.....
 اليوم وبعد صراع طويل مع التفكير المنطقي، تأكدت أن الذي تدفعه أكبر بكثير من الذي سوف تحصل عليه حتى لو انتصرت، وانك لو عملت مقارنه بسنوات الضياع وفوات الفرص حتى بلوغك الهدف لوجدت أن الحياة قد إتاحة لك عدة طرق لو كنت سلكتها لكان خيرًا لك من بقائك متشبث بذلك الهدف الأول.؟. 
مررّتُ أحدى المرات على عبارة فحفظتها عن ظهر غيب، ولكن للأسف لم أعمل بها على ارض الواقع، والعبارة تقول ( قيمة الشيء ليس بالذي ربما تحققه من فائدة، إنما بالمقدار الذي ندفعه من الثمن) ومعناه - أنظر إلى الضريبة التي دفعتها، قبل نظرك إلى الفائدة التي حصلت عليها -

سنوات عديدة  قضيتها من حياتي وانا متمسك في اشياء مؤذية، وكنت أرى إن إصلاحها شيء مهم، و إنها من الضروري، ولم أرى أن تلك الأشياء قد كانت سبب في حبسي ودواش بصري وبصيرتي، وضياع اشياء أهم منها بكثير.. 

سنين وانا أخوض معارك عشان كرامتي وكبريائي وعنادي، ولم أرى إن عجلة الزمن تأكل من عُمري وقد ضاعت معاها فرص كثيرة، نعم فرص راحت مني ومكافأت أهم اختفت - *والفرصة إن ذهبت لن تعود* - مع ذلك أنا مُصِر مثل ذلك القِرد الأبله... 

سنين وكل شيء حولي يصرخ  لي أهرب، أهرب، أهرب، بين ما انا أعيش في غياهب الظلام المعتم والعناد الادهم، حتى تأكدت أن الحل الشجاع هو الهروب، وإن الخروج عن المألوف الفكري لدي هو الصحيح، 
فأهل الحكمة يعلموا أن التراجع خطوة إلى الوراء هو الحل الوحيد، والسبيل لتقدم خطوتين إلى الأمام..... 

سنوات وانا احارب في معارك استنزفت الجانب الإيجابي الأكبر من طاقتي، وعُمري، وصحتي، وراحتي، وسعادتي، اوقعتني بين العقوق، والمعاصاه، والعربدة.... الخ 

سنوات ضاعت في مواجهات، كان الإنسحاب منها هو الأجدَ، والأولى، والأذكى، فعجلة العُمر في استمرارية إلى الأمام ولا يمكنها التراجع إلى الخلف على الإطلاق، مع ذلك تصرخ بي أهرب، ليالي ضاعت منك يا مشتاق، والأيام بتروح منك وهي تصرخ  أهرب، ودع عنك خوف نظرة المجتمع الذي حولك، وتلك فرص قد ساقتها إليك الحياة، اغتنمها وسيفتح الله لك فيها خيرًا، لكنني اتبعت دبيب قلبي العاطفي واوقعني في غيهب الضياع... 

 وطول الوقت انا اشوف نفسي احارب في معارك نبيلة، وإنني ضروري أستمر واتمسك بهدفي واقول انا صح، ولو كلف وصولي للهدف العُمر كله، وكل ذلك فقط لتحقيق رغبة العناد والمكابرة، 
ما زلت اتذكر كلمات والدي أطال الله عمره عندما قال لي في أحدَ الأيام المنصرمة القريبة ( إنني أمتلك منطق منظم لدرجة مذهلة، وواقع مثير لشفقة لدرجة محيرة)، وهنا أقول الأن لوالدي (أن القلب العاطفي والعقل المسير يجلب الشقاء لصاحبة يا أبتي) بس الحكمة تقول أننا مش عيب نخطئ، العيب إننا نستمر رغم معرفتنا الخطأ، العيب أننا نعاند واقع يصرخ بكل قوته إننا نمشي في طريق غلط، أهدافنا غلط، تمسكنا بالذي في أيدينا غلط، فلا فائدة من المقاومة، لذا فالهروب هو الحل الوحيد والسبيل لتقدم إلى الأمام ومواكبة عجلة العُمر والتاريخ والأيام...
#إنتهى