أولًا أريد الإيضاح ما هو الحسد.؟
لذا فالحسد هو: شعور عاطفي بتمني زوال قوة، أو إنجاز، أو مُلك، أو ميزة، من شخص آخر، مع الرغبة الجامحة في الحصول عليها، أو يكتفي الحاسد بالرغبة في زوالها من الآخرين.
ولا يستطيع أيٌ منا إنكار حقيقة شعورة برغبة قوية في الحصول على شيء يمتلكة شخص آخر، سواءً كانت في السمات الخَلقية، أو قدراته، أو مواقفة، فقد شعرنا جميعًا بهذا الشعور مرة واحدة على الأقل.
ولكن ما يختلف فيه أحدنا عن الأخر هو كيفية تصرفه مع تلك المشاعر النفسية...
ودعونا نتعرف ماذا قال الله سبحانه وتعالى، ورسولنا الكريم عن الحسد وهو كالآتي:
ورد لفظ الحسد في القرآن الكريم 4 مرات.
﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٠٩﴾ (سورة البقرة-109).
﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ٥٤﴾ (سورة النساء-54).
﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ٥﴾ (سورة الفلق-5).
﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ١٥﴾ (سورة الفتح-15).
كما وردت عدة أحاديث عن نبي الإسلام محمد صلَّ الله عليه وسلم، تنهى عن الحسد، منها:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» صحيح مسلم بشرح النووي 254/35.
وعن أبي هريرة قال أن النبي قال: «لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد» صحيح مسلم.
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب».
وقال الفيلسوف الشهير بيرتراند راسل: *أن الحسد أحد أقوى أسباب التعاسة* ولا تقتصر التعاسة على الشخص الحاسد بسبب حسده، بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب بالآخرين...
وللأسف يمكن العثور على الحسد في أي مكان تقريبًا، وهذا بالطبع حقيقة محزنة، وينشأ هذا المرض الذميم بسبب الإحساس الداخلي بضعف الإنسان وعدم قدرته على تحقيق ما يريده ويطمح إليه، و غالبًا ما يحسد الأشخاص على المناصب العليا، و الأوسمة وما يمتلكون من ثروة، وسمعة مرموقة في حياتهم، مما يجعل نفس الحاسد توَلد حقدًا كبير ودناءة في طبيعته، ولكن ما نشاهده في مجتمعنا الجنوبي على وجه الخصوص، أن الآخرين قد يحسدوك لأنك تمتلك القدرة على التعبير، أو لأنك تمتلك حِذاء جديد، أو ملابس جديدة، أو تمتلك ابتسامة ساحرة، او لانك شخص مرغوب لدى الجميع..
ولابد ان نعلم ان الغبطة هو على عكس الحسد، فالغبطة: هو الذي يحمل صاحبة على التشبة بالمتنافسين في الخير، مصدقا لقوله تعالى ( ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)
إذن فالغبطة سمة حسنة، فهي الحب والتطلع إلى اقتناء ما يملكه الآخرين دون زواله عنهم، مع تمني الخير لهم على حدٍ سواء، بل والتعلم منهم والاقتداء بهم في أمورهم التي يمتازون بها.
والحسد مجرد مشاعر بغيضة، وله تداعيات تعود على صاحبها بالمضرة النفسية، التي تؤدي إلى المضرة البدنية، مع إستمرار تدفقها في نفس الحاسد، حيث يمكن أن تكون عواقب الحسد وخيمة من شأنها أن تلحق الضرر بنفس الحاسد، وحياته، وجميع من حوله، ومثل ذلك كثير ومنها:
-نفي الشخصية عن تفردها، حيث يعمي الحسد الشخص عن مواهبة، وما لديه من نِعم، وخصال تميزه، حيث يبغى تركيزه على مافي حياة الآخرين، وبذلك لا يرى أبدا الأشياء العظيمة التي يمتلكها والصفات التي يتفرد بها.
-الألم النفسي الذي يتفشى في الجسد كالنار في الهشيم ويهلكه، فالحسد آفة عاطفية قلبية ولن يتوقف إلا بعد حصوله على ما تتمناه النفس، وإن كلف ذلك أن يقوم الحاسد بإيذاء المحسود وإلحاق الضرر بما يملك.
-الحسد يقود إلى خطايا وأمور شنيعة أكبر مما يبتغي، فقد يلجأ الحاسد إلى السلوك العدواني، حتى يحقق مبتغاه، وتبعات ذلك لا تولد إلا الحقد، والكراهية، لدرجة الوصول إلى الاكتئاب.
-افساد العلاقات بين أفراد المجتمع بسبب الحقد والكراهية، فهو من المخاطر الإجتماعية، باعتباره مُوغرًا للصدور ومذهبًا للأجور، وقاطعًا للأواصر، ومزيلًا للدين من الصدور.
إذن بدلاً من حب الخير للغير والشعور بالسعادة بنحاح الآخرين، والتنافس في العمل، ما الذي جناه الحاسدون، والحاقدون.؟ من هذا كله؟‼️
وما كسبوا إلا التعب النفسي والجسدي، وحصيلة ذلك تراكم المآسي والهموم على قلوبهم جراء تمسكهم بهذه الآفة المقيتة والمشينة...
اسئل الله أن يباعد بيننا وبين الحسد، كما باعد بين المشرق والمغرب.
#انتهى