الذي أزعجني — وليس فقط انا — أن نصل إلى هذه اللحظة من التمزق والخراب، ثم نرى قياداتنا تجتمع لتتجادل حول أمور بديهية. أن نجادل اليوم فيما إذا كان البنك المركزي سيُمنح صلاحياته أو ما إذا كانت موارد الدولة تُودَع عنده حصراً، هو إهانة لليمن وللعقل السياسي.
دعوني أكون واضحاً: استقلالية المصرف المركزي وتوريد كل موارد الدولة إليه ليست قضية أفكار أو مشاريع مناظرات. إنها بديهة إدارة دولة. أن نجد أنفسنا نناقشها كخيار مستقل يعني أن عقولاً تقود البلاد بالعاطفة والبراغماتية الرديئة — تلك العقول التي شتت القرار السياسي، ومزقت الجغرافيا، وأضاعت الدولة.
الحسم المطلوب ليس كلاماً بل تنفيذ
نطالب اليوم بحسمٍ حقيقي ليس بالخطابات ولا بالاجتماعات المكوكية:
البنك المركزي يعمل. لا إذن من أحد يحتاجه، ولا تحليل يطيل عمر الأزمة.
كل موارد الدولة تُودَع حصراً في المصرف المركزي، لا قنوات موازية ولا جيوب خاصة.
المصرف يحصل على كل أدواته القانونية لمواجهة المضاربات واستقرار العملة فوراً.
إن الحديث المتكرر عن هذه البديهيات، بينما الناس تموت جوعاً وتستنزف اقتصادياً، هو علامة فشل أخلاقي قبل أن يكون فشلا سياسيا.
لكن الحسم الاقتصادي وحده لا يكفي
إذا أردنا أن نعيد لليمن دولته، فعلينا أن ننتقل من حسمٍ تقني إلى حسمٍ استراتيجي.
الحسم الاستراتيجي يعني: إعادة ترتيب أولويات السلطة، وبناء قرار وطني مركزي قادر على مواجهة مشروع اللا دولة. لا يكفي أن نريد مصرفاً مركزياً قوياً إذا لم نملك قيادة وطنية تقرر وتنفذ وتفرض القانون.
ماذا نحتاج الآن فعلاً؟
قرار سياسي مركزي واضح: مجلس القيادة يجب أن يصدر قرارات تنفيذية لا مناقشات متكررة حول بديهيات. التنفّيذ الفوري هو المعيار.
خطة وطنية لهزيمة الانقلاب: ليست مجرد تصريحات، بل خارطة طريق عسكرية وسياسية واجتماعية ترسم كيف نُفكك مشروعات الميليشيات ونعيد سيادة الدولة.
هيكلة مؤسساتية: توحيد القوات تحت قيادة وطنية واحدة، إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والعسكرية ، وإصلاح أجهزة الإدارة المالية لتكون آلية واضحة لرصد وصرف الموارد.
استراتيجية إنسانية واقتصادية طارئة: دفع الرواتب، وفتح قنوات دعم للسلع الأساسية، وحماية سلاسل الإمداد، وإطلاق مشاريع عمل عاجلة لوقف الانهيار الاجتماعي.
موقف وطني موحّد: إنهاء لعبة الانقسام السياسي الداخلي التي تمنح الخارج مفتاح التدخل وتترك البلد رهينة مصالح إقليمية.
إلى أعضاء مجلس القيادة والقيادات السياسية
كفى تردداً. كفى جلساتٍ نقاشية تُغازل الحاضنة الإعلامية وتُهمل معاناة الناس. إن استمرت الاجتماعات في تناول ما هو بديهي كخيار مفتوح للنقاش، فاعلموا أنكم تُمكِّنون الانقسام، وتشرعنون لاختلال سلطة الدولة. القرار السياسي يجب أن يكون شجاعاً ومباشراً: نمنح الدولة أدواتها، وننهي نموذج دولة الجيوب والميليشيات.
إلى الشعب وإلى كل من لا يزالون يقرأون
لا نطلب منكم صبراً منقوصاً، بل نطالبكم أن ترفعوا صوتكم وتطالبوا بقيادة تنفذ لا تتروّى في تبرير فشلها. الحسم واجب على من يتولون الأمر، ومقياس حكمتهم هو التنفيذ لا الخطاب.
الحسم هو البداية
إذا أردنا لليمن أن يقوم من رماده، فعلى قيادته أن تؤمن بأن الدولة ليست ترفاً ولا مشروعاً ليُفاضل عليه. الدولة حقٌّ للمواطن قبل أن تكون أداة في يد فصيل. الحسم الذي نطالب به هو قرار استرجاع الكرامة والحياة للناس، هو قرار يجعل المصرف المركزي يعمل ويعيد ترتيب أولويات السلطة ليواجه مشروع لا دولة.
أدعو مجلس القيادة: اتركوا الاجتماعات السطحية، وانقلوا النقاشات من "هل" إلى "كيف" و"متى" و"من ينفذ الآن". فالعبرة ليست بما تقرّونه في بيانات، بل بما يصل إلى محفظة الموظف، إلى مائدة الفقير، وإلى جلدة ومؤسسة الدولة.
احسموا الآن، لأن التأجيل ليس خياراً—بل كارثة.
✍️ عبدالعزيز الحمزة
الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥م