في تطور جديد على مسرح الأزمات الإقليمية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء أن الحوثيين في اليمن "استسلموا" وأبلغوا واشنطن نيتهم التوقف عن استهداف السفن في البحر الأحمر.
غير أن تقارير غربية، أبرزها مجلة بوليتيكو، استبعدت أن يُسهم هذا الاتفاق في تهدئة التوترات المتصاعدة إذا اقتصر على حماية السفن الأمريكية دون معالجة جذور النزاع الأوسع.
وبينما أعلن ترامب عن اتفاق يوقف بموجبه الحوثيون هجماتهم البحرية مقابل إنهاء حملة القصف الأمريكي، كانت إسرائيل تُصعد من وتيرة ضرباتها، حيث شنت يومي الاثنين والثلاثاء غارات جوية مدمرة على العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة الساحلية، التي يسيطر عليها الحوثيون.
يأتي هذا بينما أعادت إدارة ترامب تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية في مارس/آذار، في خطوة مثّلت تحولًا حادًا عن سياسات إدارة بايدن السابقة.
ووفق تقرير بوليتيكو، لعب المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف دورًا محوريًا في هندسة هذا الاتفاق، بعد جهود قادها خلال عطلة نهاية الأسبوع بمشاركة عُمان كوسيط.
وكشفت المجلة أن ويتكوف دخل كذلك في محادثات موازية مع إيران، الداعم الرئيس للحوثيين، بشأن برنامجها النووي، ما يفتح الباب أمام قراءة هذا الاتفاق كجزء من صفقة إقليمية أشمل.
وتوقعت المجلة أن يُحسّن وقف إطلاق النار المعلن المناخ العام لهذه المفاوضات، التي من المقرر استئنافها قريبًا. وفي الجانب العسكري، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية بأن "عملية الفارس الخشن" التي تقودها واشنطن، نجحت في تقليص وتيرة الهجمات الحوثية، حيث انخفض إطلاق الصواريخ الباليستية بنسبة 69%، والطائرات المسيّرة بنسبة 55% هذا العام.
لكن هذه النجاحات التكتيكية جاءت على وقع تكلفة استراتيجية مرتفعة، إذ اضطرت واشنطن إلى تعزيز وجودها العسكري عبر تمديد انتشار حاملة الطائرات "يو إس إس هاري إس ترومان"، وإرسال حاملة إضافية "يو إس إس كارل فينسون"، إلى جانب نشر ست قاذفات "بي-2" في قاعدة دييغو غارسيا، وهو ما يعادل ثلث الأسطول الأمريكي من هذا الطراز.
ويأتي إعلان وقف الضربات قبيل جولة مرتقبة للرئيس ترامب تشمل السعودية وقطر والإمارات، حيث وعد بإصدار "إعلان هام للغاية" قبل انطلاق الرحلة، دون الإفصاح عن تفاصيله.
بدروها أكدت صحيفة نيويورك صن، الأميركية، أنه لم يُختبر بعد قرار السيد ترامب بتعليق الحملة في اليمن مشيرة إلى أن الاتفاقات مع الحوثيين، ومع رعاتهم في طهران، أثبتت أنها عابرة في الماضي.
وقالت إنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق مع الجماعة الإرهابية، فإن الحوثيين "سيجدون صعوبة في التخلي عن سيطرتهم العسكرية على الشحن في البحر الأحمر، وسيجدون الأعذار لمواصلة الهجوم"، حسبما نقلت عن مراقب للشأن اليمني.
وفي وقت نفى مسؤولون حوثيون اعتزامهم وقف تعطيل حركة السفن في البحر الأحمر، يتكهن البعض في منطقة الشرق الاوسط بأن هذا الإعلان قد يكون مرتبطًا بتحقيق تقدم في المفاوضات مع إيران أو باتفاق سلام عربي إسرائيلي محتمل.
ووفق الصحيفة، "ربما كان السيد ترامب يشير إلى اتفاق دبلوماسي مبدئي مع الحوثيين في محادثات حول البرنامج النووي لإيران، راعية الجماعة الإرهابية، بوساطة عُمانية".
الهدنة لاتزال في موضع شك
من جهته، كشف موقع أكسيوس أن ويتكوف نجح خلال الأيام الأخيرة في التوصل إلى اتفاق هدنة مع الحوثيين بوساطة عمانية، وهو ما أكده بيان لوزارة الخارجية العمانية.
إلا أن الموقع أشار إلى أن جدوى هذه الهدنة لا تزال موضع شك، في ظل استمرار تحوّط الشركات البحرية الدولية، التي باتت تتجنب المرور عبر البحر الأحمر مفضلة طرقًا أطول حول رأس الرجاء الصالح جنوب إفريقيا.
ولم تخلُ ردود الفعل من التوتر، إذ أكد مسؤول إسرائيلي بارز للموقع ذاته أن واشنطن لم تُبلغ تل أبيب مسبقًا بهذا الاتفاق، قائلاً: "لم نكن نعرف هذا الأمر، ترامب فاجأنا".
وبحسب مراقبين، تكتسب تصريحات ترامب أهمية مزدوجة؛ فمن جهة يسعى الرئيس الأمريكي إلى إنهاء المواجهة المستمرة مع الحوثيين، والتي تنذر بالتحول إلى حرب طويلة الأمد - على غرار النزاعات التي وعد بإنهائها - لكنها تُشنّ هذه المرة بالكامل تقريبًا من الجو.
ومن جهة أخرى، يُنظر إلى هذا الاتفاق كاختبار حقيقي لقدرة واشنطن على إعادة تشكيل موازين القوى في البحر الأحمر دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع المحور الإيراني.