آخر تحديث :السبت-02 أغسطس 2025-06:43م

الصين: شذرات إنسانية في قلب التنين!

الثلاثاء - 27 مايو 2025 - الساعة 12:17 م
نبيل محمد العمودي

بقلم: نبيل محمد العمودي
- ارشيف الكاتب


مجرد ذكر اسم الصين كفيل بإثارة خليط من المشاعر في النفس من التعجب والانبهار، إلى الدفء والامتنان.

قبل أيام، أتيحت لي فرصة أخرى لزيارة هذه الأرض الساحرة، وكانت تجربة لا تُنسى، تركت في داخلي شعورًا عميقًا يمتزج فيه الجمال بالإلهام...

لن أتطرق إلى رفاقي الحضرميين الرائعين في الرحلة التي جسدت معنى ان اردت أن تعرف إنساناً فسافر معه...لذلك جمال أخر و موضوع اخر...

ساخصص هذا الموضوع عن الشعب الصيني العظيم...

الشعب الذي ما أن تتعامل معه حتى تجده يلامس روحك مباشرة يجعلك تشعر بسعادة غريبة يجعلك تشعر بعظمة تلك العلاقات بين الشعوب..

جميعنا بعرف الصين و ذكائها و تطورها ولكن مايميز الصين حقًا ليس فقط معالمها الشاهقة أو مدنها المتطورة، بل روح شعبها. في مجمله، يتمتع الصينيون بسلوك لطيف ومحب، يلمسه كل من يتعامل معهم. لا تتاح لك فرصة للحديث مع أحدهم، ذكرًا كان أم أنثى صغيرا او شاباً عجوزا، حتى تجد فيضًا من اللطافة والكياسة، تتذوق الكثير من الأدب والأخلاق الرفيعة.

هذه اللطافة ليست سطحية وعابرة، بل هي متأصلة في تعاملاتهم اليومية، وكأنها جزء من نسيجهم الثقافي.

قضيت اكثر من اسبوعين بين ظهرانيهم، احتككت خلالها بالعديد من شرائح المجتمع. من مسؤولي الشركات الكبرى الذين يستضيفونك ويغمرونك باللطف و حسن الضيافة في كل تفاصيل الثواني التي يستقبلونك بها..

يصيبونك بالدهشة مما يقدمونه، لدرجة تجعلك تعيش حلمًا يصعب تصديقه، حيث كل شيء من تطور تكنولوجي يأسر العقل ويخطف البصر وينتزع آهات الدهشة والإعجاب إلى ترتيبات طعامك الذي يراعون فيه خصوصياتك كمسلم و الطريقة المبهرة حتى في جلوسك وتناول طعامك من مائدة مستديرة متحركة تعرض امامك مختلف أصناف الطعام واللحوم النباتية و البحرية و مختلف السلطات و الفواكه....

وليس فقط التعامل مع الشركات الكبيرة تجد هذا التنظيم واللطف بل حتى التعامل مع البائعين في الأسواق الصاخبة، والنادلين في المطاعم المتنوعة، وعمال الفنادق من خدمة الغرف إلى عمال النظافة والاستقبال. في كل موقف، كانت الإبتسامة هي القاسم المشترك، والتعامل الراقي هو السمة البارزة.

مواقف تروي حقائق كيف تبنى الحضارات..

أتذكر موقفًا خاصًا يجسد إحترافية هذا الشعب ورقي تعامله حيث حدث خطأ بسيط في غرفة رفاقي في الرحلة: انسدت ماسورة تصريف ماء المكيف وفاض الماء إلى الغرفة وما إن تم إبلاغ إدارة الفندق بذلك، حتى هرع الجميع لتقديم المساعدة. تعاملوا معنا بكل احترافية ورقي يندر وجوده. كان أول إجراء هو منح زملائي غرفة أخرى فورًا.

ثم، قاموا بتعويض الضرر بأفضل الوسائل الممكنة، دون أي تذمر أو تضجر بل بوجوه تقف أمامك بكل احترام، تهز رؤوسها إيماءً، وعيون تتلصص رد فعلك وترقب قبولك، وأطراف أصابعهم المعقودة إلى البطن تتلامس بشكل يوحي لك بالتأدب التام والاستعداد المطلق لتنفيذ أي تعويض تريده. هذا الموقف، والكثير غيره، يجعلني أروي قصصًا عديدة عن هذا الشعب الذي لا تغادر الإبتسامة وجوه أفراده، ولا تُجرح مشاعرك مهما كانت المواقف.

شعب الصين العظيم يمتلك قدرة فريدة على خلق بيئة من الود والترحيب، تجعلك تشعر وكأنك جزء من نسيجهم الاجتماعي...

إنها تجربة تتجاوز مجرد السياحة؛ إنها فرصة للتعرف على حضارة عريقة، وشعب يجسد قيم الاحترام والأدب في أبهى صورها.

لكن كل تلك الأسباب المتاحة للسعادة لا تنفع مع إنسان مثلي يستقر في داخله الكثير من الحزن والأسف على ما نعيشه في وطننا من مآسٍ وإفتقار لأبسط الحقوق والخدمات. تجد نفسك مضطرًا للمقارنة بين ما يحدث في بلدك وما تحقق هنا...

تبكي رغمًا عنك، تشعر في قلبك بالحرمان الكبير الذي فُرض عليك في وطنك...

تستشعر الهوة والفارق السحيق بينك وبين المواطن الصيني، وتدرك أن ما تطلبه هنا من حقوق هي للمواطن الصيني بديهية، قد تجاوزها ولا يمكنه حتى تخيل أن هنالك مواطنًا يعيش فوق أرض تختزن الكثير من الثروات والكنوز بهذا السوء.

المواطن الصيني اليوم يتمتع بحقوق تكفلها له دولته لتحقيق حياة كريمة لا يقلق فيها من جوع أو لقمة عيش أو سكن..

الصيني لا يعرف أن هنالك بقعة من الأرض ينام أهلها في الظلام المفروض عليهم، لا يجدون لقمة هنية يأكلونها في يومهم بأكمله..

. لا يستطيع أن يتخيل أن هذا الشخص الذي يقدم له كل التقدير والاحترام هنا في بلد الغربة، ما هو إلا كائن محروم من أبسط حقوقه، إنسان مهان، ذليل، خائف، جائع، مريض، في وطنه الأم لا يسوى شيء

حسبنا الله ونعم الوكيل...

نبيل محمد العمودي